الحد الفاصل

الحد الفاصل

الحد الفاصل

 لبنان اليوم -

الحد الفاصل

عمرو الشوبكي
بقلم : عمرو الشوبكي

عادة ما تثير القوانين المنبثقة من العلمانية الفرنسية الكثير من الجدل فى العالمين العربى والإسلامى، وكثيرًا ما يعجز الكثيرون عن التمييز بين الحد الفاصل بين قوانين الجمهورية الفرنسية، التى تسمح بانتقاد دين بعينه والسخرية من رموزه، وبين إهانة الأفراد الذين يعتنقون هذا الدين.

والمؤكد أن النظام العلمانى الفرنسى قام على أنقاض هيمنة الكنيسة والأفكار الدينية فى القرون الوسطى، وكان كثير من أفكار عصر النهضة والتنوير قائمة على الهجوم على الدين المسيحى وإضعاف سلطة رجال الدين، واعتبر فى كثير من الأحيان مهاجمة الأديان أحد مظاهر تثبيت دعائم النظام العلمانى.

ولم تخرج الإساءة إلى الإسلام فى السنوات الأخيرة عن إرث طويل من الهجوم على كل الأديان، باعتباره جزءًا من حرية الرأى والتعبير، بعد أن نُزعت عنها أى قداسة، وقُدمت باعتبارها أفكارًا قابلة للنقد والاختلاف، خاصة فى ظل غلبة أعداد غير المؤمنين، وأن سؤال «إنت مسلم ولّا مسيحى؟»، الذى يُطرح فى مجتمعاتنا، يقابله فى فرنسا «أنت مؤمن أم لا؟».

وتسمح القوانين الفرنسية بالإساءة إلى الأديان، ولكنها لا تسمح بالإساءة إلى مَن يعتنقون هذا الدين، وهى مفارقة صعب استيعابها فى كثير من الأحيان فى مجتمعاتنا. لأن نقطة الانطلاق فى الحالة الفرنسية هى الإنسان وليس النصوص الدينية أو السياسية، ولذا فإن ما يعتنقه هذا الإنسان- حتى لو كان قناعات إيمانية- هو محل نقد، ومقبول مهاجمته، أما الإنسان الذى يحمل هذه القناعات فمُجرَّم قانونًا الإساءة إليه، فلو قلتَ إن الأديان ضارة بالمجتمعات ويجب التخلص منها فأنت لن تقع تحت طائلة القانون، أما إذا قلتَ إن الأفراد الذين يعتنقون هذا الدين (المسلمين مثلًا) ضارون بالمجتمع ويجب التخلص منهم، فأنت هنا خالفتَ القوانين لأنك تسىء إلى الإنسان.

ويبقى الانتقاد الأبرز الذى يوجَّه إلى القوانين العلمانية الفرنسية يتمثل فى أن الإساءة إلى معتقدات الإنسان الدينية وكَيْل الاتهامات لها هو أمر لا يمكن فصله عن الإساءة إلى الفرد أو الإنسان، الذى تعتبره القوانين الفرنسية هدفها والمنوط بها حمايته، فالإساءة إلى الأديان والتهكم عليها وازدراؤها أمر يسىء إلى ملايين البشر، وهو أمر يختلف عن نقدها فى مجتمع أوروبى علمانى لا تنطلق قوانينه من احترام مبادئ الأديان، فالإساءة والإهانة شىء والنقد شىء آخر.

من المناسب أن ينطلق دور الأزهر الشريف فى هذه القضية من احترام خصوصية علمانية المجتمع الفرنسى، باعتبارها نتاج خبرة حضارية وسياسية مختلفة عن عالمنا العربى، وأن يعتبر التعامل الأوروبى النقدى مع الأديان أمرًا يخصهم، ولا نقبل بفرضه علينا، ولكنه أمر يختلف تمامًا عن إهانة دين أو نعته بالإرهاب أو سَبّ رسوله، فهى كلها ممارسات لا يمكن قبولها من زاوية احترام الإنسان، فما بالنا لو كانوا مئات الملايين من البشر؟!.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحد الفاصل الحد الفاصل



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon