إشكالات اللجوء الأوكراني بعد الفلسطيني

إشكالات اللجوء الأوكراني بعد الفلسطيني

إشكالات اللجوء الأوكراني بعد الفلسطيني

 لبنان اليوم -

إشكالات اللجوء الأوكراني بعد الفلسطيني

بقلم : فـــؤاد مطـــر

ما تسببت فيه بريطانيا من أذى في الأربعينات في فلسطين لجهة غض الطرف عن أفعال عصابات الحركة الصهيونية أمثال «شتيرن» و«الهاغاناه» في حق العائلات الفلسطينية، ها هي في هذه الأيام الروسية - الأوكرانية تعيش في ظل متاعب مثل ذلك الأذى.
في الزمن الذي مضى، اعتبرت بريطانيا ذلك الأذى عنباً قطف دواليه اللورد آرثر روتشيلد في صيغة وعد أقنع بجدواه الملك جورج الخامس. وها هي بريطانيا في ظل الملكة إليزابيث الثانية تدفع ثمنه أو فلنقل تأكل حصرمه.
زيادة في التوضيح نشير إلى أن بريطانيا وهبت أرضاً تحتلها وفي صيغة وعد ضمن رسالة بتاريخ 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 1917 نقلها آرثر البريطاني (آرثر بلفور) إلى آرثر الصهيوني زعيم الحركة الصهيونية (اللورد آرثر روتشيلد). وعند التمعن في صياغة الرسالة البلفورية نرى أن صاحب الوعد فخور بما فعله غير مكترث بما يمكن أن يستتبع ذلك من خطوات، أو أنه كان يدري وتلك مصيبة أعظم ستبقى ندبة في الجبين البريطاني... إلا إذا كانت الملكة إليزابيث الثانية سترى وهي ما زالت في كامل صفاء الذهن في شيخوختها الوقورة والحكيمة، وفي ضوء معاناة مماثلة للمعاناة الفلسطينية الناشئة عن وعد بلفور ونعني بذلك معاناة اللجوء الأوكراني صنو اللجوء الفلسطيني عام 1949 إلى بعض الدول العربية وغيرها، سترى تصحيحاً للوعد البلفوري من خلال رئيس الحكومة بوريس جونسون أو غيره في موقع صياغة القرار الحكومي واتخاذه.
مناسبة استحضار هذه المحنة أن الحكومة البريطانية التي يترأسها بوريس جونسون تصطف إلى جانب إدارة الرئيس جو بايدن في التصدي لما باغت الرئيس فلاديمير بوتين العالم به محرجاً أشد الإحراج الدول الأوروبية قبل غيرها. وبالإضافة إلى الشحن المكثف من جانب وسائل الإعلام بمطبوعاتها وقنواتها كافة، فإن الحكومة التي ارتاحت لبضعة أشهر تلت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من وطأة عشرات ألوف الأوروبيين الشرقيين عموماً الباحثين فيها عن وظائف وفرص عمل وبما يساهم في حالة نضوب مالي متقطع، في جزئية من ميزانية الدولة علاوة على خلل في موجبات ومستلزمات الطبابة لهؤلاء، وجدت نفسها أمام حالة مخيفة من اللجوء الأوكراني إليها. فقد بدأت عائلات بكاملها تصل إلى الكنف البريطاني وبطبيعة الحال لا يمكن صدها. بهذا عاشت بريطانيا ولا تزال الظروف التي سبق أن عاشتها بعض الدول العربية عندما بدأ تدفق اللجوء الفلسطيني إليها نتيجة أفعال العصابات الصهيونية التي قوننت إجرامها من خلال قاعدة «لم نسمع لم نر» سلطات الاحتلال البريطاني لفلسطين.
تماماً كالذي يحدث منذ أيام في بريطانيا حدث في لبنان قبل 72 سنة. على متن قوارب وسفن صغيرة وعبر الحدود تمت عملية اللجوء الفلسطيني إلى الملاذ اللبناني. وحيث إن المشاعر الإنسانية والوطنية والقومية كانت في أحسن حال زمنذاك، فإن الفلسطينيين الآتين من الوطن الذي بدأت عملية وضع اليد عليه بفعل الوعد البريطاني إياه، حلوا في البداية ضيوفاً على أهل وأنساب، ثم بدأت عملية إنشاء المخيمات لهم في مناطق مختلفة من العاصمة والضواحي وبعض المحافظات. وهذا إلى أن يحسم أمر عودتهم على أساس أن دول العالم لن ترتضي أسلوب اغتصاب أوطان الآخرين.
طال الانتظار وكثرت الوعود. ثم شيئاً فشيئاً بدأت حالة اللاجئ المستوطن المتحزب ثم اللاجئ المسلح ثم اللاجئ المتدخل في شؤون داخلية. بقية فصول المحنة مأساوية بامتياز، بل إن بعضها يدمي القلب ويدمع العين. عند التأمل في المشهد اللبناني منذ فلسطينية الحال سلاحاً وتدخلاً بموجب اتفاقية أمكن إلغاؤها ماضياً، ثم إيرانية الحال بموجب أمر واقع يصعب حتى إشعار آخر ترويضه إذا استحال الإلغاء... إننا عند التأمل في المشهد اللبناني تتضح لنا أكثر ملامح المحنة المأساوية.
الآن تعيش بريطانيا، وسائر الدول الأوروبية كل منها بنسبة معينة، بداية للظروف المشابهة لتلك التي أشرنا إليها. حاولت أن تقونن مسألة اللجوء الأوكراني إليها لكن الأحمال ثقيلة. وبدأ التفكير في أكثر من صيغة للجوء. لم يكن هنالك قبل سبعة عقود في لبنان أي تردد في استيعاب أولئك الذين يتم انتزاع منازلهم واغتصاب وطنهم وإجبارهم على الهجرة. الاستضافة واجب إلى أن يغير الله من حال إلى حال. أما في بريطانيا فبدأ التفكير في صيغة غير مسبوقة إزاء ظاهرة اللجوء وهي عبارة عن حملة هنالك توجه لتسميتها «منازل من أجل أوكرانيا».
ليس واضحاً ما إذا كانت الأزمة الراهنة ستتعاظم، وينضم إلى عشرات ألوف اللاجئين الذين قصدوا الدول الأوروبية وبالذات بريطانيا، عشرات ألوف آخرين، وهذا يعني أن بريطانيا ستعيش الوضع الذي عاشه وطن محدود المساحة مثل لبنان وإلى حد أنه بات نموذجاً للدولة التي هاجر إليها الفلسطيني ثم استوطنها، تلاه السوري الذي مضت عشر سنين على هجرته إليها بالمئات ثم بالآلاف ثم بعشرات الآلاف بفعل التكاثر والتناسل.
وأما الحل المنطقي لعلاج هذه الظاهرة... ظاهرة أوطان صغيرة داخل الوطن الكبير فإنه في العلاج الواقعي الذي يحتاج قبل أي خطة إلى قرار أممي يحميه، وهو إعلان الدول الملتبسة المهددة بمغامرات الاستيلاء عليها دولاً محايدة وخارج الصراعات. ولقد كان لبنان دائماً منذ ثلاثة عقود من الاقتدار الإيراني وحالياً أبرز من يحتاج إلى الحياد الحل. وها هي أوكرانيا في الاجتياح الروسي عليها تصطف إلى جانب الأوطان التي ينجيها تحييدها من طوفان السطو عليها سواء كان السطو للأرض أو لمصادرة الإرادة. وأما فلسطين فإنها ستبقى جرحاً ينزف هموماً واهتمامات إلى أن يفيء العالم إلى صواب. وبداية هذا الفيء تصحيح بريطانيا إليزابيث الثانية لخطأ حول ارتكابه في زمن بريطانيا جورج السادس... والدها.
وها هي محنة اللجوء الأوكراني المقلق بداية والمتعب نهاية لها توجب طرح فكرة ذلك التصحيح برسم المناقشة، فضلاً على أن سلوك رغبة التصحيح المسار المتعقل كفيل بتنشيط بلورة الخطوات المتدرجة نحو سلام صامد واستقرار دائم في العالم العربي.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إشكالات اللجوء الأوكراني بعد الفلسطيني إشكالات اللجوء الأوكراني بعد الفلسطيني



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي

GMT 16:11 2022 الجمعة ,20 أيار / مايو

لبنان يوجه ضربة مزدوجة لطهران
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon