قوة الأثير الزائفة

قوة الأثير الزائفة

قوة الأثير الزائفة

 لبنان اليوم -

قوة الأثير الزائفة

أمينة خيري
بقلم : أمينة خيري

من مميزات الـ«سوشيال ميديا» أنها أعطت لنا جميعًا صوتًا ومنصة وأداة. مكنتنا من وسيلة للتعبير والتواصل وتبادل الآراء وعرض المواهب واكتشافها وغيرها من الفوائد، لكنها أيضًا لا تأتى دون آثار جانبية. وحين تتغلب الآثار الجانبية على الفوائد (أحيانًا)، يجدر بنا التوقف قليلًا والتفكر كثيرًا.

تزايدت ظاهرة انسحاب البعض من على منصات الـ«سوشيال ميديا» اختياريًا، ولو لفترة، وذلك حفاظًا على السلام النفسى والصحة العصبية. من حق الجميع التعبير عن الرأى واتخاذ المواقف وتبادل الآراء والاختلاف والاتفاق، إلا أن ما يجرى حاليًا أبعد ما يكون عن ذلك. ويبدو أن الدق على الأزرار والكلام والرد والطرح من خلف الشاشات يعطى البعض قوة يفتقدها فى الحياة الحقيقية. وأحيانًا تتحول هذه القوة إلى شوكة قاتلة سامة تبث كل أنواع الشرور. القائمة طويلة، تبدأ بالصفاقة والوقاحة والبذاءة، وتمر بتوليفة من التصرفات وردود الفعل التى تعكس بيئة المستخدم وتربيته وتنشئته ومنظومته الأخلاقية وقواعده السلوكية وأدواته فى التعبير عن الرأى والاختلاف معهم وغيرها، ولا تنتهى عند حد معين، إذ إن القاع واسع وعميق.

انتقاد سلوكيات البعض على الـ«سوشيال ميديا» ليس مطالبة بالحجب، أو تلويح بسلب حرية التعبير. هو طرح وتساؤل عما يدفع البعض ممن يقدمون أنفسهم باعتبارهم مؤثرين، أو صناع محتوى، أو حتى مستخدمين عاديين رضوا وارتضوا أن يدخلوا ساحات تواصل، فإذ بهم يحولونها إلى ساحات للتراشق اللفظى وتوجيه الاتهامات بالجهل والسطحية، ومنها ما يصل إلى الكفر والزندقة، تلك النعوت التى تنطلق من بعض المؤثرين ممن يصفون أنفسهم بـ«الملتزمين دينيًا»!!.

المؤكد أن هذه الأجواء السامة ليست حكرًا علينا، ولكن أكاد أجزم بأنها تتسم بقدر أعلى من السميات لدينا. على مدار العقد والنصف الماضيين تقريبًا، والمعدلات تتزايد. هذه الأجواء لا تقتصر على مجالى السياسة والاقتصاد، وهما الأكثر تأثيرًا فى حياتنا، لكنهما يمتدان إلى الحياة اليومية من طبيخ وتنظيف وصحة وتربية وتعليم وأزياء وكل ما يطرأ أو لا يطرأ على بال. أتعجب من هؤلاء – وهم كثيرون- الذين تسمح لهم تربيتهم وتنشئتهم وتدينهم الجم (كما يصفون أنفسهم) بأن يطلقوا العنان لهذا الكم من العجرفة والخيلاء والغطرسة والغرور على الأثير. وأتعجب أكثر وأكثر من أن يأتى ذلك من «الملتزمين» و«الملتزمات» دينيًا، ومنهم من بات يصف المنتقدين لـ«حركة حماس» بـ«الكفر».

كما لا يمكن ولا يعقل أن يكون كل منا خبيرًا معتبرًا وخطيبًا مفوهًا فى كل شؤون العلوم والمعارف. أجد البعض يفتى فى السياسة بنفس الحماس الذى يخرج به بنظرات اقتصاد وبنفس الثقة ينضح بقواعد اجتماعية ونفسية وصحية وتعليمية وسكنية.

فرق كبير بين التعبير عن الرأى والاجتهاد، وبين أن يقرر أحدهم أنه يملك النظريات السياسية الوحيدة الصائبة، والحلول الاقتصادية الوحيدة الثاقبة، والقواعد الاجتماعية الوحيدة المنضبطة، ولا يكتفى بذلك، بل يصف المعترض والمنتقد والمختلف بالجهل وربما الكفر. إنها قوة الأثير الزائفة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قوة الأثير الزائفة قوة الأثير الزائفة



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon