المتطرف الوسطى 2

المتطرف الوسطى (2)

المتطرف الوسطى (2)

 لبنان اليوم -

المتطرف الوسطى 2

أمينة خيري
بقلم : أمينة خيري

فى حديث التطرف، يروج البعض لفكرة متطرفة بطريقة جذابة، يلتقطها البعض، ثم يعتنقها، ويتماهى معها، وتتملك منه، وقد ينصب نفسه سفيرًا لها، فيتحول إلى فكرة تسير على قدمين، يتحدث عنها وباسمها، ثم يعتبر كل من لا يعتنق فكرته شخصًا غريبًا أو مريبًا. وقد يطور من أدائه المتطرف، فيجبر من حوله على اعتناق الفكرة، وهنا تدور دائرة التطرف.

المتطرف، سواء الذى يضع كارل ماركس فى منزلة الأنبياء والقديسين، أو يعتبر مطربه الأيقونة هو الأفضل، وغيره مدعون وفاشلون، أو فريقه الرياضى فوق الجميع غصبًا وقهرًا، أو أن أبناء وطنه هم أسمى مواطنى الكوكب بلا منازع أو منافس، وكذلك بلا مناسبة، أو أن المنتمين إلى معتقده الدينى وحدهم أسمى البشر، بمن فيهم القتلة والخونة والأفاقون والنصابون والمحتالون، يتبع مجموعة من السلوكيات تجعله واضحًا وضوح الشمس. يبذل دون أن يدرى جهودًا عاتية ليتغاضى تمامًا عن أى سقطة أو هفوة أو نقطة ضعف فى الشيء أو الشخص أو الفكرة التى يعتنقها لدرجة التطرف. تهيمن عليه وعلى تصرفاته العاطفة وحدها، مع تغييب شبه كامل وتعطيل شبه كلى للعقل. تضييق الخناق عليه، وتعريضه لنقاط عقلانية خاصة بالفكرة التى يعتنقها، من شأنها أن تدفعه إلى إعادة التفكير بها من زوايا مختلفة، تجعله شديد العدوانية. هذه العدوانية تمده بما يحتاج من أدوات الحماية وأسلحة القتال، وأبرزها صم الأذنين، وحجب الرؤية، وبالطبع فرض هالة كثيفة من الضبابية أمام عقله، وجميعها تقيه شرور التفكير وإعمال العقل.

يعتبر المتطرف العقل عدوه اللدود. قد يكون المتطرف عالم فيزياء، أو حاصلًا على الشهادة الإعدادية، أو فنانًا تشكيليًا، أو زعيمًا سياسيًا، لكن حين يتعلق الأمر بالفكرة التى يقدسها، يتساوى الجميع فى الدفاع الأعمى عما يعتقد.

وهذا يصل بنا إلى أبرز أعراض التطرف، ألا وهو الرفض التام والإنكار الزؤام لأى مراعاة أو تفهم أو قبول، لا لفكر الآخر، بل للآخر نفسه. وحتى لو كان المتطرف لا يحمل السلاح الذى يمكنه من إطلاق الرصاص على من أو ما يمثل الفكرة المختلفة عن فكرته، فهو يتمنى فى قرارة نفسه أن يختفى الآخر من على وجه الأرض بطريقة أو بأخرى. ولم لا، وفكرته التى تشدد وتطرف من أجلها هى الوحيدة الصحيحة فى الكوكب، وربما الكواكب المجاورة أيضًا. دماغ الشخص المتطرف تتسم ببطء فى معالجة الأدلة الإدراكية، لكنها سريعة لدرجة الاندفاع فيما يتعلق بالمشاعر والأحاسيس.

إدراك عاطفى بالغ السخونة، مع إدراك بطيء للأدلة والمعلومات والبراهين العلمية، يجعل الشخص مادة خام لاعتناق الفكرة المتطرفة، سواء كانت سياسية أو رياضية أو دينية. المضحك المبكى فى المجتمعات التى ينهشها التطرف أن البعض يعتبر نفسه وسطيًا معتدلًا، لمجرد أنه متطرف لا يحمل السلاح. وينظر إلى المتطرف حامل السلاح باعتباره متطرفًا ملتزمًا. لكن هل يولد الإنسان بـ«جينات» التطرف، أم يكتسبه؟.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المتطرف الوسطى 2 المتطرف الوسطى 2



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon