هل يريد عون سجن الحريري

هل يريد عون سجن الحريري؟

هل يريد عون سجن الحريري؟

 لبنان اليوم -

هل يريد عون سجن الحريري

عماد مرمل
بقلم : عماد مرمل

بين بعبدا واللقلوق وبيت الوسط والمختارة فُقد أثر الحكومة التي ضاعت في أودية الهواجس السياسية والطائفية، بينما أصبحت هموم اللبنانيين في مكان آخر، بعيداً من المعارك التي تُخاض بإسمهم وعنهم.

أظهرت كلمة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، انّ الخلاف مع الرئيس المكلّف سعد الحريري هو أكبر من أن يُعالج بعظات البطريرك الماروني، وانّ الحكومة المؤجّلة هي ضحية «الزواج القسري» الذي فُرض بالإكراه الدستوري على الرئيس ميشال عون بعد تكليف الحريري بأكثرية نيابية، خلافاً لرأي عون الذي كان ولا يزال غير مقتنع بجدوى هذا الخيار في مواجهة الازمة.

ولعلّ اللافت في إطلالة باسيل امس، كلامه حول دوافع اعتراض الحريري على تسمية عون وزيري العدل والداخلية، والمتعلقة بخشيته من ان يستخدم رئيس الجمهورية هاتين الحقيبتين لإدخاله الى السجن.

وروى باسيل، انّ الحريري «اتفق منذ البداية مع الرئيس على انّ رئيس الجمهورية هو الذي يسمّي وزيري الداخلية والعدل، ولمّا وقعت الإشكالية مع القاضي فادي صوّان، غيّر رأيه وأبلغ الى الفرنسيين و»حزب الله» وكثيرين، انّه لا يقبل ان يسمّي الرئيس لا وزير الداخلية ولا وزير العدل. «قال شو؟ الرئيس (عون) بدّو يحبسه..».

تعكس هذه الواقعة، اذا صحّت كل تفاصيلها، الوضع المزري الذي وصلت اليه الدولة والعلاقات الهشة بين اركانها: عون لا يأتمن على حقيبتي «العدل» و»الداخلية» مع الحريري، لئلا يستعملهما في عرقلة معركة مكافحة الفساد التي قرّر الجنرال خوضها بكل ثقله في آخر سنتين من ولايته، والرئيس المكلّف لا يأتمن عليهما في حوزة رئيس الجمهورية حتى لا يعطيه فرصة للانقضاض عليه عندما تستوجب مصلحته ذلك، ومجلس النواب لا يثق في المحقق العدلي الذي استلم ملف انفجار المرفأ واعضاء فيه، طلبوا تنحيته عن القضية، والقضاء لا يثق في مجلس النواب، وهكذا دواليك.. انّه التشظي المؤسساتي الشامل الذي يستكمل الانهيار الاقتصادي والمالي، بحيث غدت الدولة «كومة ركام»، ليس إلّا.

وتُبيّن رواية باسيل، انّ أزمة الثقة بين عون والحريري أعمق مما كان يتصوره البعض، وهي باتت تفرز «عوارض جانبية» شديدة الخطورة، وبالتالي ليس معروفاً كيف يمكن أن ينجح التعايش والتعاون بينهما مستقبلاً، اذا استطاعا تجاوز مأزق التشكيل، ما دام انّ رئيس الحكومة المرتقبة يخشى من ان يفتح او يخترع رئيس الجمهورية ملفاً له ويزجّه في السجن بتهمة الفساد!

اي إصلاح واي إنقاذ يمكن أن يتحققا في ظلّ هذه البيئة السياسية المسكونة بأشباح الخوف المتبادل، ووسط ارتياب كل من عون والحريري في نيات الآخر وحساباته؟

اي حكومة هذه التي ستتصدّى للتحدّيات وتنتشل لبنان من الهاوية، فيما يشعر رئيسها المفترض انّ وزاراتها الاساسية ستتحول متاريس وجبهات لتصفية الحسابات معه والانتقام منه؟

وما زاد الأمور تعقيداً، هو انّ الحريري وفريقه مقتنعان بأنّه يجري منذ فترة فتح الملفات بشكل استنسابي وكيدي من قِبل أجهزة قضائية تُحرّكها أجندة برتقالية، ما يشكّل بالنسبة إلى أنصار بيت الوسط سبباً كافياً لرفض تسليم عون «العدل» و»الداخلية» ومنع وضع رقبة تيار «المستقبل» ورئيسه بين فكّي كماشة أمنية- قضائية ممسوكة من العهد «الذي قد يذهب في العامين الأخيرين من الولاية نحو قلب الطاولة على من يتهمهم ضمناً او علناً بالفساد ومحاولة تفشيله»، كما يتحسب معارضوه، وكأنّ الحريري المرتاب يطبّق المثل القائل «لا تنام بين القبور ولا تشوف منامات وحشة».

لكن هناك في المقابل من يلفت الى انّ الحريري يعرف في قرارة نفسه، انّ طبيعة النظام اللبناني تحمي تلقائياً كل رموزه، وانّ سجنه كما سجن اي زعيم هو امر مستحيل في لبنان، وانّ الطوائف والمذاهب والمواقع والتوازنات تشكّل حصانات حديدية لا تتزحزح، وعصية على الاختراق.

وقد اظهرت التجارب بوضوح، كيف أنّ الخطوط الحمر المتنقلة، والعابرة لكل الساحات، حالت في اوقات كثيرة دون أن تذهب التحقيقات في اي ملف حيوي الى نهاياتها.

ويشير أصحاب الواقعية السياسية، الى أنّ عون نفسه يعرف انّ التركيبة الداخلية ترسم في نهاية المطاف حدوداً لطموحاته وقدراته، وانّ صاحب التمثيل السنّي الأوسع شعبياً ونيابياً يحظى بحصانة لا يمكن تجاهلها او تجاوزها، بمعزل عن عواطف رئيس الجمهورية واقتناعاته.

وحتى رئيس الحكومة المستقيل الدكتور حسان دياب، والذي بدا معزولاً وضعيفاً في طائفته بعد دخوله الى السرايا بلا غطاء سنّي، أصبح عقب الادّعاء القضائي عليه، يشعر بنوع من القوة والاحتضان داخل بيئته، بل انّ خصومه فيها، اي الحريري ورؤساء الحكومات السابقين، كانوا اول من دعمه تحت شعار رفض التعرّض لمقام رئاسة الحكومة.

وعليه، يدرك عون والحريري انّ هناك ضوابط وسقفاً لآلية المساءلة والمحاسبة في ظلّ قواعد اللعبة الحالية، وانّ السجن لا يستقبل الكبار حتى إشعار آخر وسيبقى مقتصراً، الى حين إلغاء الطائفية، على أصحاب قياس الـ small او medium في أحسن الحالات.

وبناءً عليه، فإنّ الارجح هو انّ الحريري يريد من خلال معارضته حصول عون على الحقيبتين الأمنية والقضائية، ليس حماية نفسه تحديداً، بل الموظفين القريبين منه والمحسوبين عليه في المؤسسات والادارات الرسمية التي يتخوف من ان تكون عرضة للاستهداف من عون والقضاء الذي يتأثر به، تبعاً للانطباعات السائدة في صفوف خصوم رئيس الجمهورية.

والى حين يستطيع عون والحريري تبادل التطمينات والضمانات، التي من شأنها تخفيف الشروط المتبادلة وتسهيل تأليف الحكومة، فإنّ السؤال المطروح هو: متى سيخرج لبنان من سجن الأزمة بعدما طالت إقامته خلف قضبانها؟

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يريد عون سجن الحريري هل يريد عون سجن الحريري



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon