انتحار البنات

انتحار البنات

انتحار البنات

 لبنان اليوم -

انتحار البنات

سما حسن
بقلم : سما حسن

أنت لست بحاجة لكي تسأل نفسك: لماذا تنتحر البنات؟، فالجميع من حولك سوف يجيبون دون كلام، من نظرات عيونهم سوف تفهم، ومن إيماءات رؤوسهم سوف تعرف، ومن زمزمة شفاههم سوف تصلك الإجابة، والحقيقة أنك تشعر بالرعب لكل هذه الرسائل الصامتة، فلا يعقل ان تسلم بالرد بأن ملاكاً صغيراً بريئاً حالماً قد أقدم على قتل نفسه للأسباب التي يراها الآخرون.

الشرف هو السبب الأول كما يراه الآخرون، يبدو ان هناك القصة المعتادة؛ هي أحبت وهو خان، هي وثقت وهو تولى، هي أعطت وهو ولى هارباً، فقررت ان تنهي حياتها هرباً من العار والفضيحة، ولذلك خنقت نفسها بإيشارب رقيق كان تلف به شعرها الحريري حين كانت تقف في الشرفة وتحلم في ساعات المساء، وحين كانت تلف به شعرها وتخرج إلى محل البقالة القريب مع شقيقها الأصغر لتبتاع له حلوى وتحاصرها العيون المتفحصة لمعالم أنوثة تبدت، او حين تذهب إلى المدرسة الثانوية، وحيث لا يجب أن تذهب دون أن تغطي شعرها في حرم المدرسة التي تحتمل قصص الحب والغرام الأولى من ابن الجيران المنتظر او عابر السبيل او صاحب الورشة القريب او حتى سائق سيارة الأجرة.

هي لا تملك الآن دفاعاً عن نفسها، قررت أن تنهي حياتها ولن تقول لكم لماذا فعلت ذلك، ماذا تريدون أن تسمعوا مثلاً؟ هل تريدون أن تعرفوا كم كانت بحاجة لأمها المطلقة لتخبرها بأشياء صغيرة تحدث مع البنات لأول مرة فلم تجدها؟، وكم احتاجت للبكاء على صدرها مرات كثيرة لأمور تافهة اليوم، عظيمة في الأمس، كانت تريد ان تبكي بسبب مسألة الحساب التي أخفقت في حلها، وبسبب درجتها المتدنية في مادة العلوم، ولكنها لم تجد صدر أمها، واعتادت على الفراغ حولها ولفّتها برودة قاتلة حتى قررت ان تنهي حياتها.

الحكاية ليست كما تتصورون، هي لم تفرط بشرفها، هي تعرف جيداً ان الشرف حين يضيع يصبح مكانه الموت، فلا حياة لبنت في هذا المجتمع دون ان تكون متهمة، عليها ان تقدم له دليل شرفها وعفتها وعذريتها.

انها شاحبة مثل وجوه مصاصي الدماء، ونحيفة لدرجة لا توصف، ووجنتاها غائرتان، لم تسر النضارة يوما في وجهها ولم تكن ذات عافية، ففي بيت فقير نشأت، وتحت ظلم الأب الذي انتزعها من حضانة الأم عاشت، فهي لم تكن فتاة بضة نضرة تلفت إليها العيون، ولا تستدير نحوها الاعناق.

هي باختصار ولكي لا ترهقوا أنفسكم بالتحليل فتاة، كانت تتمنى ان تعيش في أسرة مترابطة سعيدة وبيت فيه كل سبل الراحة، وان تصحو في الصباح لتقبّل يدَي والديها، وان لا تحمل هم سرها الصغير حين يزورها كل شهر، فتجد أمها تعد لها كوباً ساخناً من مغلي أوراق المريمية، وتسمع همس أمها وهي تخبرها أنه من السذاجة ان تبكي الفتيات الصغيرات بسبب علامة متدنية في المدرسة، فأمامها في الحياة تجارب أعظم واكبر، وسوف تكبر وتسخر من نفسها كثيراً، ويجب ان تمارس حياتها وتمرح مع أخوتها، وتستعد لمشاهدة الحلقة الأخيرة من المسلسل العربي الذي تنتظره كل الأسرة.

هي افتقدت الاحتواء، ربما لا تعرفون معنى وقيمة الاحتواء لفتاة صغيرة، ولمراهقة تقترب من نهاية عقدها الثاني، والمطلوب منها في لحظة ان تصبح زوجة وأماً، وهي لا تستطيع ان تعطي ما فقدته مثلاً، فتقرر ان تنهي حياتها، لا تستطيع باختصار ان تستبدل تعاستها بتعاسة طفل قادم، لا تستطيع ان تعطي وقد عاشت محرومة.
القصة يا رفاق ليس كما تخيلتم، دائماً تحروا الأسباب قبل ان تشيروا وتحركوا عيونكم في محاجرها، فالشرف الذي تتحدثون عنه ليس هو السبب لكي تنتحر الفتيات، إنهن رقيقات ومؤنسات وغاليات، ولكنهن حين يشعرن بالضياع يقررن الانتحار.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتحار البنات انتحار البنات



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon