جريمة قتل الصراف

جريمة قتل الصراف

جريمة قتل الصراف

 لبنان اليوم -

جريمة قتل الصراف

سما حسن
بقلم : سما حسن

موقف صغير قد يزيح غمامة عن عينيك، وهذا الموقف تستنتج منه أن عليك ألا تثق بصديق، وقبل سنوات بعيدة قالت لي طبيبة صديقة: من يريد أن يخسر صديقه فليقرضه بعض المال، وبعد ذلك بدأت تتكشف امامي الحقائق، وهي ان معظم العلاقات والصداقات قائمة على مصالح مادية وبالتالي فهي تنتهي بنهايات مؤسفة اقلها الفراق، وأفظعها ان يقتل أحد الصديقين الآخر.

ما بيعرف سرك إلا ربك وجارك، هذا المثل سمعناه أيضا منذ زمن، وفي الواقع ان سرك يعلمه القريب منك وربما كان عن حسن نية منك لا أكثر، ولكن الحقيقة ان ما تراه أنت عادياً قد يراه من يدعي صداقتك غير ذلك، وقد يراك صيداً سهلاً وقد تقع فريسة لنفس أمارة بالسوء.

قبل سنوات أيضاً -ومازلت أضرب الأمثال- أخبرت صديقة دائمة التردد على بيتي بنتيجة تحليل لي ببساطة وعفوية: تخيلي طلع عندي نقص كالسيوم، وقد كانت هذه الصديقة دائمة التواجد على موائد الطعام في بيتي، فقد أدعوها لنفطر سوياً، وقد أحلف عليها ألف قسم ويمين بأن تتناول الغداء معي ومع عائلتي، ولذلك فقد أصبح لديها صورة عامة شاملة وماسحة وكاشفة لمستوى دخلي ونظام حياتي، وهو المستوى المتواضع او المتوسط او المستور بالنسبة للناس، ولكن في نظرها وقياساً لسوء أوضاعها فهو كان مستوى عالياً، ولذلك فقد أطلقت صفيراً حين سمعت ما أخبرتها به: معقول عندك نقص كالسيوم وإنتي كل فطورك أجبان وألبان ؟؟؟!!

ما بيعرف سرك إلا ربك وجارك، وكذلك صديقك المقرب أو من تعتقد انه صديقك وأنت تبقى مخدوعاً طيلة الوقت حتى تدفع الثمن غالياً، فصديقك يصبح لديه صورة ماسحة كاشفة لكل حياتك وأنت تتحدث أمامه عن أملاكك ومشاريعك، أو عندما يزورك في مكتبك أو مكان عملك او تجارتك، فيصبح لديه تصور لحجم تعاملاتك وما تملك من رأس مال لو كنت ثرياً، وما عليك من ديون إن كنت متعثراً في استثماراتك.

النتيجة أنك لو كنت ناجحاً او حتى هناك من يتحدث أنك ثري بحكم نوع مهنتك وطبيعتها فلا أحد يتخيل ان تاجر الأراضي او السمسار قد يكون مديوناً، ولا أحد يتصور ان «الجواهرجي» بائع الذهب قد يكون ملاحقاً بالديون وعليه القروض الكبيرة للبنوك، ولا يمكن أن يجول بخاطر أحد أن صرافاً يشتغل بأموال شركاء وأن هذه الأموال التي بين يديه ليست له، وبأن دخله مثل دخل أي موظف بسيط.

إذن لقد وصلنا إلى الصراف، الصراف الذي قتل الاسبوع الماضي في غزة في جريمة قتل بشعة، والقاتل هو صديقه، صديقه الذي كان يتردد عليه في مكتبه الصغير والضيق في سوق العملة في وسط المدينة، وصديقه الذي كان يقرضه وينعم عليه بخيرات أرضه التي يزرعها بالخضار والفواكه الموسمية.

إذن فالصديق أصبح لديه تصور لثراء صديقه الصراف، والصراف طيب القلب متواضع التعليم ولديه معاملات سابقة مع صديق العمر، معاملات لم تكن تزيد على مبالغ صغيرة كان الصديق يفي بها على أكمل وجه حتى كسب ثقة الصراف، فهو لم يتأخر في تسديد دين، أو قرض، وربما جاء بمعاملات مالية حققت للصراف بعض الربح فاستبشر وزادت الثقة، وظلت حبال الثقة تمتد من طرف واحد، فيما كان الشيطان يلعب لعبته في الجانب الآخر.

مكالمة هاتفية من الصديق بأن على الصراف الحضور لمقر عمله لكي يقوم بتبديل العملة لطبيب كبير ثري، فحمل الصراف المبلغ وهو يعتقد أنه سوف يقوم بعمل روتيني «صد رد» مع صديقه لن يكلفه سوى المسافة التي سوف يقطعها ما بين قلب المدينة والمخيم، ولذلك فقد ذهب بسيارة أجرة تاركاً سيارته الخاصة لأولاده، وحين وصل لمقر عمل صديقه استدرجه حيث قتله وسلبه المبلغ المالي الكبير.

لا تثق، لا تدخل معاملاتك المالية مع أصحابك، لا تخبر الآخرين عما تملك او تخطط، دع سرك في قلبك، وعندما تخرج مع صديق او تجالسه حادثه بكل شيء إلا المال، لا تفتح خزنة أموال أمامه ولا تتحدث بالهاتف أمامه عن شيكات وأرصدة، ولا تتداول أرقاماً ضخمة على مسمعه، كن حذراً ولا تثق، هذه ليست صداقات، هذه علاقات ويجب ان تبقى علاقات لأن عمقها يعني أنك سوف تصبح جثة في مكان بعيد... عليك ان تعي الدرس جيداً، فقليلك كثير أمام الآخرين حتى لو كان قرطاً صغيراً من الذهب او حتى هاتفاً نقالاً.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جريمة قتل الصراف جريمة قتل الصراف



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon