الجراح تدل علينا

الجراح تدل علينا

الجراح تدل علينا

 لبنان اليوم -

الجراح تدل علينا

زياد خدّاش
بقلم : زياد خدّاش

أوائل الثمانينيات أحببت طالبة جميلة في جامعة بيرزيت من طرف واحد طبعاً وبصمت شديد، كان لديها أثر جرح خفيف في جبينها، كنت أحياناً أتوهّم أنني واقع في حب جرحها، كان على شكل وردة (التوليب).

كنت ألاحقها في كل مكان أحتويها بسرية تامة على هيئة ريح باردة في الصيف ودافئة في الشتاء، وكانت تستغرب من (وحوحات) زميلاتها من برد شباط وهن يمشين معها ومن تأففهن من حر آب:

-( مش عارف ليش إنتو حاسين هيك ولكم الطقس بجنن).
كنت أطاردها في كل مكان، في مدرجات الجامعة وكلياتها وعيادتها وكافتيرياتها ومقاعد الجلوس وطرقات الجامعة وتحت الشجر ونوافذ قاعات المحاضرات. وداخل البلدة نفسها. غيرت كلياتي مرتين اقتفاء لأثرها وهي تغير كلياتها، كنت متمارضاً اجلس قربها في عيادة، وأكثر من مرة سكنت قرب بيوتها المستأجرة، أحببت السمك الذي أكرهه فقط لأجلس جانبها وهي تلتهم مع صديقتها (الدنيس).

كنت في كثير من الأحيان ريحاً حزينة تقعي بانتظار مجنون تحت مطر غاضب قرب نافذة قاعة محاضرات مغلقة من البرد، كنت أراها بوضوح داخل القاعة تصغي(بصفنة) إلهية لدكتور الفلسفة الأشقر حافي القدمين.
لم تعرف عني أي شيء، لم تشعر بي، كنت ذكياً وحذراً، وكان لدي مفهوم عصابي ومتوتر لمفهوم الكبرياء، والحفاظ على كرامتي. وفي الوقت ذاته كنت ذائباً في فكرة أن أعرف كل شيء عن هذه المخلوقة التي تشبه علَم فرنسا.

أربعون عاماً مضت، سافرت إلى بلاد كثيرة، سمنت وصارت لي صلعة خفيفة، أحببت نساء كثيرات علناً دون تحولات سرية، صرت في منتصف الخمسين، أصدرت عشرة كتب، نسيت هذا الحب الغريب، إلى ان عصف بذاكرتي في ليلة برد قاتل عصفاً شديداً صوت امرأة كانت تقف على مفترق طرق قرب إشارة ضوئية، كانت تنقر زجاج السيارات بأدب وتطلب شيئاً ما، (ممكن تفتح الشباك يا اخوي؟). فتحت لها زجاج النافذة فضولاً، كان علَم فرنسا بأثر جرحه الفاتن وبفك متدلٍ وريالة فاضحة وبلا رفرفة ينظر إلى وجهي.

-(بس شيكل، شيكل يا اخوي).
أخرجت محفظتي وأمسكت نصف الراتب الذي قبضته اليوم ومنحتها إياه، ابتسم علم فرنسا، صار الجرح عرساً.
وتحت لعنات وزوامير ؤأسرعت بسيارتي خارج الإشارة الضوئية، ظللت ساعة وأنا أفكر بينما أقود سيارتي الى البيت: أحقاً كان هذا علم فرنسا الذي نقر زجاج سيارتي بأدب؟؟؟. فكرتُ أن أعود اليها لأتحول أمامها إلى ريح دافئة فأسمعها تقول لأصحاب السيارات المغلقة نوافذها: (مش عارف ليش انتوا حاسين هيك، والله الطقس بجنن).
لكني فجأة تذكرت حزيناً ومتألماً أنني نسيت طريقة التحول.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجراح تدل علينا الجراح تدل علينا



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon