أوروبا وغزوة الكونغرس

أوروبا وغزوة الكونغرس

أوروبا وغزوة الكونغرس

 لبنان اليوم -

أوروبا وغزوة الكونغرس

عبير بشير
بقلم : عبير بشير

يغادر دونالد ترامب الذي جاء إلى الحكم بشعار «أميركا العظيمة»، ممتطيا صهوة «الشعبوية»، البيت الأبيض بعد أن طعن أميركا في روحها، بعدما هشم الدستور ومبناه ونصوصه، وربما بعدما شعر الجميع بعجز وكهولة الولايات المتحدة.

وترامب فاعل أساسى في الفضيحة العالمية التي ضربت الولايات المتحدة، حينما حرض أنصاره على مهاجمة الكونغرس والعبث به فسادا.
ونقلت الصور التلويح بعلم هو علم الكونفدرالية لولايات جنوبية رفضت التعديل على الدستور الذي يقضي بتحرير العبيد، ودخلت في حرب أهلية استمرت ما يُقارب 6 سنوات، وذهب ضحيتها ما يُناهز المليون شخص.

كانت بلدان كثيرة، تحلم بالصعود إلى النموذج الأميركي، فكانت المفاجأة أن ترامب نزل بالنموذج الأميركي إلى العالم المتخلف.
ليست أوروبا وحدها بحاجة إلى عمليات شد وجه، لتداوي بها تجاعيد الشيخوخة. أميركا بعد الانتخابات وغزوة الكونغرس أصبحت بحاجة ماسة إلى ترميم صورتها التي ترك عليها ترامب ندبات كبيرة من الصعب محوها.

وفي الحديث عن القارة العجوز التي استعادت بعضاً من شبابها السياسي بعد الحرب العالمية الثانية تبدو مسألة القيم كنقطة التقاء مهمة بين تلك الدول، من أجل ذلك ولأسباب اقتصادية كان الاتحاد الأوروبي محاولة لبناء قوة اقتصادية وسياسية في زمن ثنائية القطبية. بالطبع بسبب القيم وجد الاتحاد نفسه أقرب للقوة العظمى المتمثلة في الولايات المتحدة الأميركية.

كانت تلك القيم المرتبطة بالحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق التعليم والعمل إلى غير ذلك تجعل من أوروبا وأميركا بيئة جاذبة للملايين عبر العالم. لكن هذا ليس كل الحكاية، فأوروبا تشاطر الولايات المتحدة تشخيصها لأهمية دور القيم كنقطة جمع بين تلك الدول والولايات المتحدة.

لذلك فإن مشاهد اقتحام الكابيتول لم تكن مقحمة على السياق الأميركى والأوروبي بتحريض رئيس أفلت عياره بقدر ما كانت إعلانا عما هو مكتوم من تفاعلات وما قد يحدث فى المستقبل من تداعيات، ليس فقط في الولايات المتحدة بتأثير من اليمين المحافظ والتيارات الشعبوية فيها، أيضا في أوروبا، التي تشهد هبوب رياح شعبوية قوية، وتحاول إعادة تعريف نفسها.  

وما تشهده تلك القارة من جدل داخلي بين البلدان حول السياسات الخارجية والأمن، وتصاعد التيارات الشعبوية التي تروج لنفسها عبر الحديث عن إنقاذ دولها من نتائج الأوضاع القائمة على هوية القارة وأوضاعها السياسية والاقتصادية ونسيجها الاجتماعي.

فأميركا وأوروبا الآن أمام اختبارات ما بعد الصدمة، نظرتها إلى نفسها ونظرة العالم إليها.
والأوضاع الداخلية المستقرة هي أساس أي صعود مستأنف في الأوزان الدولية.

أوروبا خسرت أحد أهم عوامل النفوذ الأوروبي وهو المملكة المتحدة التي صوت كبار السن فيها لصالح خروجها من الاتحاد الأوروبي، خروج يشكك في نظرية القيم المشتركة التي كثيراً ما يتم الترويج لها ويستبدلها بالمصالح وغلبة الهويات المحلية على الهويات أو العصبيات الأخرى.

وقد اعتبر وزير خارجية لوكسمبورغ، جان أسلبورن، أن المشروع الأوروبي يمر بأزمة وجودية، وأنه مثل قطارين يندفعان نحو بعضهما، وسيصلان إلى التصادم في لحظة حاسمة.

وشكلت أزمة المهاجرين اختبارا للقيم الأوروبية. ففي سنة 2015 حدث انقسام بين الثقافة الترحيبية للمستشارة الألمانية انجيلا ميركل ورؤية رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان القائمة على أساس النقاء العرقي: جسور غرب أوروبا ضد جدران شرق أوروبا.

ثم جاءت غزوة الكونغرس، التي شكلت ضربة قوية للشعبوية على المستوى الأوروبي وخاصة الشعبوية القومية المحافظة اجتماعياً والمناهضة للهجرة.
لقد نصب الشعبويون الأوروبيون ولسنوات ترامب بطلا عالميا، فهو القائد الذي يتحدث لغتهم، وأثبت أن إمكانية تطبيق المشروع السياسي الشعبوي الذي حاول كلٌّ منهم تطبيقه في بلده ليس مستحيلا، إذ إنهم ظنوا بشكل أو آخر أن ما يمكن حدوثه في أميركا، وهي أعظم الديمقراطيات التي عرفها العالم، يمكن حدوثه في بلادنا أيضا.

ولكن بعد غزوة الكونغرس بدأ قادة الشعبوية في أوروبا التي كانت تنظر إلى الرئيس ترامب كرمز بالابتعاد عنه. وأدانت زعيمة التجمع الوطني في فرنسا لوبان عنف الكابيتول، وكذلك فعل بوريس جونسون صديق ترامب.

ويقول دومنيك مويزي، من معهد مونتين في باريس: «ما حدث في الكابيتول بعد هزيمة دونالد ترامب كان قاسيا على الأحزاب الشعبوية وأشار لأمرين: لو انتخبتهم فلن يتركوا السلطة بسهولة ولو انتخبتهم فانظر ماذا يفعلون من إثارة الغضب الشعبي».

ويسعى القادة الشعبويون الذين اعتادوا في السابق التهليل لترامب إلى إبعاد أنفسهم لسبب آخر أعمق: فبينما لا يجد الشعبويون غضاضة في مهاجمة المؤسسات أو أي تهديدات أخرى لسلطتهم، فإنهم لا يزالون يستمدون شرعيتهم من الفكرة الشعبوية القائلة إنهم يُمثِّلون «الشعب الحقيقي»، وحكم الديمقراطية في مقابل النخب الفاسدة. أمام ما فعله ترامب عندما دعم علانية تقويض العملية الديمقراطية. وقد غرد الناطق باسم حزب اليمين المتطرف في المانيا» بأن أي شخص يستهدف البرلمان فإنما هو يستهدف أساس الديمقراطية.

ويمكن تعريف الشعبوية بأنها مجموعة من المواقف السياسية التي ترتكز على فكرة «الشعب» وغالباً ما تضع الأخير في خانة، و«النخبة» في خانة أخرى. بمعنى آخر، الشعبوية هي أيديولوجيا تقدم «الشعب» كقوة خيّرة وتصوّر «النخبة» على أنها فئة الفاسدين والباحثين عن مصالحهم الشخصية دائماً
ولا بد من الإشارة إلى أن «النخبة» كما يراها الشعبويون لا تقتصر على السياسة وأهلها، بل تشمل النخب الاقتصادية والثقافية والإعلامية باعتبارها مجموعة واحدة متجانسة وفاسدة.

وفي الدول الديمقراطية، يدين الشعبويون الأحزاب السياسية المهيمنة ويضعونها في خانة «النخبة»، بيد أنهم لا يرفضون النظام السياسي الحزبي، بل يقدمون أحزابهم على أنها مختلفة عن الأحزاب الأخرى.

في المقابل، يبدو أن تلك الشعبوية القومية تتوقف الآن، وذلك لعدة أسباب هي بريكست وذهاب ترامب وغزوة الكونغرس وكوفيد. إذ تنظر أوروبا بشيء من الذهول إلى الغزوة، ولكنها ترى أنها تحمل بعض البشائر، لأن نهاية راعي اليمين الشعبوي ترامب، بهذه الطريقة النافرة، سيؤدي إلى التقليل من الجاذبية الشعبوية لدى الشعوب الأوروبية.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا وغزوة الكونغرس أوروبا وغزوة الكونغرس



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon