اللقاح الروسي بين السياسة والتجارة وحُمّى المنافسة

اللقاح الروسي بين السياسة والتجارة وحُمّى المنافسة

اللقاح الروسي بين السياسة والتجارة وحُمّى المنافسة

 لبنان اليوم -

اللقاح الروسي بين السياسة والتجارة وحُمّى المنافسة

عبد المجيد سويلم
بقلم : عبد المجيد سويلم

لكلّ من يهمه الأمر من خارج نطاق الأبعاد الثلاثة في عنوان هذه المقالة ـ السياسة والتجارة وحُمّى المنافسة ـ والسياسة هنا التسيُّس تحديداً، فإن اللقاح الروسي أصبح حقيقة واقعة، ولم يعد هناك ما يمكن أن ينفيها.
كل ما يمكن الآن ـ من داخل الأبعاد الثلاثة، ومن يهمهم الأمر من القائمين عليها ـ أي المسيِّسين والتجار والمنافسين ومن يدور في فلكهم ـ هو التشكيك  وإثارة «المخاوف»، أملاً في الدخول السريع إلى السباق، وطمعاً في أن لا تخسر شركات الأدوية لديهم فرصتها التي طال انتظارها دون أي بوادر للنجاح، وتعويلاً على تحويل الناس إلى مادة للمتاجرات السياسية.

لا يحتاج الإنسان أن يكون عالماً من علماء علوم الأوبئة لكي يتابع ويتتبع الأمر، وأن يشارك الرأي بهذه المسألة. لا يوجد في الواقع أمان مطلق لأي لقاح إلاّ بعد مرور عشرات السنين على تناوله، وأحياناً لا يوجد إمكانية لمعرفة الآثار الجانبية للقاحات قبل انقضاء هذه المدة أو أكثر.

الآثار الجانبية للقاحات التي تناولها الناس على مدار عشرات السنين الماضية، هي أقل تأثيراً مما كان يعتقد، والسبب العلمي لهذا الأمر هو قدرة الجسم الإنساني على المقاومة لهذه الآثار. والحقيقة العلمية المثبتة أن الآثار الجانبية موجودة ومؤكدة لكل دواء في هذا العالم، مقابل قدرة الأجسام على التكيف.

بل ويمكن الجزم أن ثمة من الآثار الجانبية للأعشاب الطبيعية، فما بالكم وأن الأمر يتعلق بمواد كيماوية مضافة إلى المواد الطبيعية؟
كل لقاح يحتاج إلى اختبارات سريرية مكونة من اربع مراحل كما هو متعارف عليه:

الأولى والثانية على أعداد تجريبية سريرياً. أما الثالثة فهي لزيادة التأكد على أعداد كبيرة نسبياً وفي مناخات مختلفة في بيئة مختلفة، وأحياناً لأعراق مختلفة. أما الرابعة فبعيدة المدى وليست على جدول أعمال أي لقاح ضروري.

اللقاح الروسي الجديد (سبوتنك V) مرّ واجتاز المرحلتين الأولى والثانية دون عوائق ومخاوف، وثبتت فعاليته العالية، وهو عقار مطور في تركيبته عن عقارات سابقة كانت قد تجاوزت المرحلتين الثالثة وحتى الرابعة، وبالتالي فإن المرحلة الثالثة منه والتي بدأت منذ الأمس، فقط هي لزيادة التأكيد وليس لاختبار صحة وسلامة وأمان اللقاح.

وبما أن العقار لن يكون جاهزاً للتسويق «العالمي» قبل ثلاثة أشهر من الآن فإن المسألة لا تحتاج إلى تكهنات سياسية أو تجارية، لأن العمل قائم على قدم وساق، والاختبارات ستجري في بلدان كثيرة وعلى أناس من كل الأجناس والأعراق والنتائج ستكون معروفة خلال عدة أسابيع فقط.

ولأسباب ليست سياسية ولا تجارية ولا تنافسية فإن الكثيرين من المتابعين والمراقبين والمحللين يعرفون أن روسيا الاتحادية واحدة من أكثر بلدان العالم تطوراً في علوم الأوبئة، ويعرفون أن هذا التطور العلمي الكبير معروف لكل الدول، ولكل معاهد البحث العلمي في هذا المجال، والتقدم الروسي معترف به وموثق وخارج الحسابات السياسية والتجارية.

يضاف إلى ذلك ان دولاً كبيرة ومعاهد وجامعات عريقة على امتداد هذه الدول حاولت التعاون مع روسيا للوصول إلى هذا اللقاح، والأرجح أن تعاوناً ما قد حصل بالفعل على هذا الصعيد.
روسيا لديها قائمة كاملة بالدول والجامعات والمعاهد التي كانت تنشد مثل هذا التعاون.

اللافت هنا هو الإعلانات والإيحاءات التي صدرت عن خصوم روسيا من أن الحكومة الروسية تسرّعت من أجل «الريادة»، وأنها ربما «تضحي بشعبها لأسباب تجارية وتنافسية»..! مع العلم أن روسيا هي البلد الوحيد في العالم الذي تعامل مع مريض الـ»كورونا» ليس بالاعتماد على الفحوصات المخبرية فقط، وإنما على التصوير المقطعي للرئة خوفاً من أن تكون هناك أخطاء «مخبرية»..!

وبالقياس إلى مؤشرات معتمدة عالمياً فإن نسبة الوفيات بالمقارنة مع عدد المصابين ونسبة التعافي، أيضاً، فإن روسيا واحدة من أفضل بلاد العالم إن لم تكن الأفضل على الإطلاق.
وبما أن روسيا قد أعلنت على رؤوس الأشهاد أنها بدأت بالفعل إعطاء اللقاح إلى طواقمها الطبية فهل يعتقد هؤلاء المغرضون أن روسيا تغامر بأطبائها وعلمائها من أجل «إعلان ريادي»..؟!
هذا إسفاف سياسي ما بعده إسفاف.

وعندما يتم الحديث من باب «الغمز» على تسرع الروس بالإعلان عن لقاحهم بأن «الغرب» لديه مقاييس أكثر تشدداً حيال مسألة اللقاحات.. فلماذا لم يلاحظ هؤلاء كيف يعالج مرضى «كورونا» في بلدان الغرب، وما هي حصيلة التجربة على هذا الصعيد؟
ألم يدفنوا في مقابر جماعية؟!
ألم يمت عشرات الألوف دون أن يسمح لهم بالدخول إلى المستشفيات؟
ألم تكن في الواقع أمام مأساة إنسانية بكل ما في هذه الكلمة من معنى؟!

الحقيقة أن اللقاح الروسي قد وجّه لطمة لكل تجار السياسة الذين حاولوا تسييس المرض ووصفوه بالمرض الصيني.
الم تقل زعيمة المعارضة الأميركية «بيلوسي»، إن الواجب يقتضي تسمية الفيروس بفيروس ترامب؟
من الذي ضحى بشعبه، وفتح بلاده لأرباح الشركات على حساب ملايين الناس، وذلك في إشارة إلى مسؤوليته المباشرة عن كارثة «كورونا» في الولايات المتحدة؟!
وهل كان الأمر أفضل حالاً في بريطانيا العظمى؟!، وقبلها في إسبانيا وإيطاليا وكل بلاد الغرب «المتشدد» في مسألة إنتاج اللقاح!

على كل حال السؤال الآن ماذا سيفعل هذا الغرب المتشدد، وكيف سيتصرف إزاء اللقاح الروسي؟!
وطالما أن أكثر من عشرين بلداً أبدت اهتماماً خاصاً بهذا اللقاح من بينها حتى الآن بلدان كبيرة مثل الهند والبرازيل فهل سيتشدد الغرب وينتظر أن ينتج اللقاح الخاص به، أم ان شركات القطاع الدوائي لدى هذا الغرب ستشتري اللقاح وتوزعه على مساكين هذا الغرب بأسعار احتكارية؟!

هناك أكثر من 200 محاولة في العالم لإنتاج اللقاح، وهناك من الدول من قطع شوطاً كبيراً باتجاه إنتاجه، وهناك من الدول من يتعاون على أسس ثنائية ومتعددة للوصول إليه، والمقاييس العلمية الصارمة ليست هي سبب «تأخر» الغرب في الوصول إليه وإنما ـ وهذه هي الحقيقة ـ عدم ثقتهم العلمية فيما وصلوا إليه. ألم نشهد مسرحية لترامب وعالمه الشهير؟! حول اللقاح؟
هذا هو الأمر بكل وضوح وبساطة.

الأفضل للعالم أن يتعاون مع روسيا وأن يشارك في دقة الاختبارات، وأن يضع جانباً تسييس اللقاح، وأن يخرجه إلى خارج نطاق المتاجرة السياسية والتنافس غير النزيه، وأن يضع مصلحة مواطنيه فوق اعتبارات شركات الدواء واحتكاراتها، وأن يعترف بالواقع بدلاً من المكابرة، وبدلاً من التشكيك المسبق بكل ما هو غير غربي.

من حق الرئيس الروسي أن يبتسم، من حقه أن يفتخر، ولكن من واجبه، أيضاً، أن يقدم اللقاح إلى فقراء العالم ومعدميه قبل أن يقدمه لأحد. ذلك أن شركات الدواء الاحتكارية العالمية تخطط للمتاجرة بأرواح الناس.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللقاح الروسي بين السياسة والتجارة وحُمّى المنافسة اللقاح الروسي بين السياسة والتجارة وحُمّى المنافسة



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon