الدّولة الضّعيفة والتّوتّر الشّيعيّ مَن يستوعب مَن

الدّولة الضّعيفة والتّوتّر الشّيعيّ: مَن يستوعب مَن؟

الدّولة الضّعيفة والتّوتّر الشّيعيّ: مَن يستوعب مَن؟

 لبنان اليوم -

الدّولة الضّعيفة والتّوتّر الشّيعيّ مَن يستوعب مَن

رضوان السيد
بقلم - رضوان السيد

بالإعاقات على طريق مطار رفيق الحريري، والصرخات الطائفية في كلّ مكان، بدأ أسبوع الحكومة الجديدة الثاني. وما وجد رئيس الحكومة نوّاف سلام حلّاً إلّا في استحداث مطار بالقليعات في أقاصي شمال لبنان. وهذا ليس حلّاً بالطبع. فالضاحية باقية وتستطيع الإغارة على بيروت في كلّ آن.

تتضمّن المقالة نظرة إلى عقدين وأكثر حينما تشاجرت الأقلّيّتان ثمّ تحالفتا. وفي الحالتين جرى تخريب النظام. الآن ليس هناك غالب ومغلوب، لكن هل يمكن للدولة الجديدة الضعيفة أن تستوعب التوتّر الشيعي بعد الصدمات الهائلة المتوالية؟!

 

تغيّر المشهد تغيُّراً راديكالياً. فقد كنت أرى أنّه في الأزمات الكبرى في لبنان تثور الأقلّيتان المارونية والشيعية وتتواجهان. ويعمد كلٌّ منهما إلى غزو العاصمة ومناطق سنّية أُخرى بدلاً من الصدام المباشر. وعند تحالف الأقلّيّتين عام 2006 في كنيسة مار مخايل صار السُّنّة هم العدوّ المشترك، وحاول كلٌّ منهما افتراس الكثرة السنّية بالتحالف مع نظام بشار الأسد.

كان حساب الحزب المسلّح (ومن ورائه إيران) استراتيجياً يشمل منطقة بلاد الشام وما وراءها. وفي الوقت الذي كان فيه الزعماء العرب يموتون أو يُقتلون بين عام 2000 و2005، قام النظام السوري و”الحزب” بنصيبهما بقتل رفيق الحريري، واجتياح سورية والعراق، مع سكوتٍ أميركي على ذلك بسبب السخط على السنّة، الذين أغاروا على أميركا عام 2001، ولأنّهم أرادوا استبدال الإيرانيين والأتراك بالعرب في استراتيجيات المنطقة. طوال حوالى عشرين عاماً ظلّت المذابح وظلَّ التهجير هو التكتيك المعمول به لتغيير التاريخ والديمغرافيا والاستيلاء على الحاضر والمستقبل.

أمّا حسابات الرئيس ميشال عون وجبران باسيل فقد كانت صغيرةً وتقتصر على استعادة السلطة من السنّة بزعم استيلائهم عليها بالطائف!
بالإعاقات على طريق المطار، والصرخات الطائفية في كلّ مكان، بدأ أسبوع الحكومة الجديدة الثاني

تحويل الأنظمة إلى ساحات ميليشياويّة

لكنْ لا “الحزب” ولا حزب عون ولا النظام السوري ولا النظام العراقي عرضوا أيّة بدائل لما زعموه من استرداد التاريخ والجغرافيا من أهل السنّة. بل انهمكوا جميعاً باستصفاء موارد الدول واستقرارها بالسلب والنهب والمخدّرات ومصادرة الممتلكات وتحويل الأنظمة حتى في لبنان إلى ساحات ميليشياوية.

في عام 2011 انفجر الوضع في سورية، وتجمّعت ميليشيات إيران من لبنان إلى أفغانستان وباكستان والعراق للدفاع عن نظام الأسد ومنافسته في القتل والتهجير. أمّا في لبنان فقد استمرّت الاغتيالات وتوالت حكومات الغلبة، واعتقد الجميع أنّ نظام ولاية الفقيه سيستمرّ حتى قيام الساعة أو ظهور المهدي.

ما كان السنّة مغلوبين على أمرهم في سورية والعراق وحسب، بل وفي لبنان. فحتّى سعد الحريري الذي جامل “الحزب” وجامل جبران باسيل إلى النهاية، اضطرّ إلى الانسحاب عام 2019، إلى جانب بدء التمرّد المسيحي على باسيل وعلى “الحزب” للمرّة الثانية عام 2019 بعد عام 2005 على أثر مقتل الحريري. أراد الحزب المسلّح إيهام المسيحيين أنّه يدافع عنهم في مواجهة الإرهاب السنّي المنطلق من سورية، وعندما بدا أنّ المسيحيين لا تقلّ أعدادهم في الشارع عن المسلمين، خرجت صيحات “شيعة شيعة” والإغارات بالموتورسيكلات على الشوارع والأحياء المسيحية.

المطار

ما عاد المسيحيون المصابون في أمنهم وثرواتهم مقتنعين بحماية حسن نصرالله لهم، ولا حفظ عون وصهره لمصالحهم. وباستثناء فقد الثنائي الشيعي للغالبية بمجلس النواب في انتخابات 2022، ما بدا أنّ تغييراً محسوساً على وشك الحدوث على الرغم من حدث المرفأ، والانهيار الاقتصادي، ومصادرة أموال المودعين.
ما كان السنّة مغلوبين على أمرهم في سورية والعراق وحسب، بل وفي لبنان

التغيير الحاسم في 2023

جاء التغيير الحاسم في عامَي 2023 و2024. هناك الكثير من الأسرار التي لم تنكشف بعد. هجمت حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023، وفي 8 تشرين الأوّل 2023، دخل “الحزب” في الحرب لمساندة غزّة. لدى “الحزب” مسؤوليّات استراتيجية، فهو جزء من الحرس الثوري الإيراني. وكما استولوا على الدول الثلاث وعلى اليمن، فيمكن أن يستولوا على النضال الفلسطيني وأن يصبحوا هم المفاوضين لأميركا على كلّ ملفّات المنطقة.

لكنّ حسابات الحقل غير حسابات البيدر. خرّب الإسرائيليون قطاع غزة، ودفعوا “الحزب” من جنوب لبنان. وجاءت ثالثة الأثافي بسقوط النظام الأسديّ. بدا أنّه لم يعد هناك مخرج غير الإذعان، وهو ما نفّذه الرئيس نبيه بري مع المندوب الأميركي آموس هوكستين.

بيد أنّ الصدمة الساحقة بدأت ردود أفعالها. أوّلاً في المفاوضات على رئاسة الجمهورية، وثانياً في المفاوضات على الحكومة. وثالثاً الآن في حادثة الطائرة الإيرانية وتظاهرات تعطيل المطار بعد جولات الموتورسيكلات والقمصان السود، التي عرفها اللبنانيون خلال السنوات الماضية وإبّان تشكيل الحكومات المغلوبة والعاجزة.

الاحتضان من ضمن الدّولة

ما بقي أحدٌ من “العقلاء” إلّا وقال باحتضان الشيعة في أزمتهم الهائلة. لكنّ هذا الاحتضان ينبغي أن يكون للمرّة الأولى من ضمن الدولة التي ما تزال ضعيفة بعد موجات الاجتياح لأكثر من عقدين. ما عندنا الآن أزمة علاقات الاستباحة مع إيران وحسب، بل عندنا ما هو أهمّ: خروج إسرائيل من الجنوب في مقابل خروج “الحزب” المسلَّح. الرئيس نبيه بري يعود للحديث عن الاستراتيجية الدفاعية. ما دامت وظيفة “الحزب” في الجنوب قد انتهت، فما الداعي لبقاء سلاحه والنظر في التنسيق بينه وبين الجيش. ويحدّثوننا عن معسكرين داخل “الحزب” أحدهما يريد العودة للقتال مع أنّ الجميع يعرف وفي الطليعة أميركا وإسرائيل أنّه لم يعد يستطيع، فتظاهرات تعطيل المطار، وسلاح “الحزب” بالداخل، كلاهما خطر على الدولة الجديدة أو التي تحاول أن تكون كذلك.
تظاهرات تعطيل المطار، وسلاح “الحزب” بالداخل، كلاهما خطر على الدولة الجديدة أو التي تحاول أن تكون كذلك

إضافةً إلى ذلك، “الحزبُ” وقوّاته ما تزال على الحدود السورية، وقد مارست تهريب السلاح والمخدّرات وتهريب البنزين وكلّ الممنوعات. وقد اشتبكت مع القوّات السورية التي أخرجتها من القرى الحدودية التي سرحت ومرحت فيها طوال قرابة عقدين. ولذلك هناك متاعب لهذه الجهة حدثت وستستمرّ، إلّا إذا حسم الجيش اللبناني أمره، ولا يبدو أنّه سيفعل ذلك.

إنّ الاحتضان لا يحتاج إليه شيعة “الحزب” فقط لإعمار ما هدّمته الحرب، بل يحتاج إليه سائر اللبنانيين المحجوزة ودائعهم، والمنهارة معيشتهم، والمتشعّث أمنهم. ولو لم يكن من المشكلات مع سورية غير قضيّة اللاجئين لكفى ما في العلاقة من عوائق وعقبات.

لقد تغيّر الوضع تغيُّراً راديكالياً. وكلّ المسيحيين الآن والسنّة مع رئيس الجمهورية، وكذلك الأجواء الدولية. ولن يستطيع الشبّان المتهوّرون دفع الآخرين للاشتباك معهم. لكنّ أحداً من المسيحيين أو السنّة لن يبقى مع الاحتضان ما دامت الغوغاء في الشارع.

نحن أمام أنظار العرب والعالم. وبدأت الرؤى الإيجابية تنخفض وتتصدّع: إلى أين وإلى متى يمضي الأمل الذي به تستعيد الحياة في لبنان معناها؟!

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدّولة الضّعيفة والتّوتّر الشّيعيّ مَن يستوعب مَن الدّولة الضّعيفة والتّوتّر الشّيعيّ مَن يستوعب مَن



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي

GMT 16:11 2022 الجمعة ,20 أيار / مايو

لبنان يوجه ضربة مزدوجة لطهران
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon