جرائم تثير حساسيات دينية

جرائم تثير حساسيات دينية!

جرائم تثير حساسيات دينية!

 لبنان اليوم -

جرائم تثير حساسيات دينية

بقلم: رضوان السيد

ما انتبه الرأي العام في العالم العربي كثيراً لقضيتين تتعلقان بالإسلام في تونس وفرنسا. بل ما أثار الرأي العام الجرائم المرتكبة ضد الفتيات في مصر والأردن. فهناك شابٌّ قتل طالبة بجامعة المنصورة، وآخر قتل زوجته الثانية لأنه بعد خلاف بينهما هددته بإخبار الزوجة الأولى. أما في الأردن فإنّ شاباً قتل فتاةً بالجامعة أيضاً لأنها رفضت الزواج به. في مصر قُبض على قاتل الفتاة الجامعية وحُكم عليه بالإعدام بعد اعترافه وتمثيله للجريمة. وما تزال الجريمتان الأُخريان قيد المحاكمة.

لقد ذُعر الرأي العام بمصر والأردن لهول جرائم القتل ضد النساء. وما تعاطف أحدٌ مع القتلة. لكنّ «شيخاً» خطر له التصريح بأنّ الفتيات يحرّضن على أنفسهنّ عندما لا يلبسن ملابس محتشمة ولا يتحجبن! وقد أثار ذاكَ التصريحُ سخط كل النساء، وفئات واسعة في الرأي العام. إنما ارتبط ذلك بنقاشٍ مستعِرٍ حول معنى الاحتشام والحجاب والنقاب ومشروعيتهما أو فرضيتهما. إذ فَهِم كثيرون أن الفقيه المعمَّم أو غير المعمم إنما كان يبرر عمليات القتل ضد النساء اللواتي تتعرض كراماتهنّ وحيواتهنّ للانتهاك والعدوان من دون مسوِّغٍ، وهي جرائم لا ينبغي قبولها أو تبريرها بأي شكلٍ كان.

منذ قرنٍ ونيف تستمر النقاشات الحامية بشأن الحجاب بين المتدينين والهيئات الدينية من جهة، ودعاة حرية المرأة وكرامتها من جهةٍ أُخرى. وفي حين يختلف ذوو الشأن الديني في التفاصيل بين الحجاب والنقاب، فإنّ المدافعين عن حرية المرأة يعتبرون المسألة مبدأ لا يجوز التفريط فيه أو التلهي بتفاصيل المشروعية بين غطاء الرأس أو ستر الوجه!

ما حقيقة الأمر؟ الواقع أنّ القضية ما عادت قضية حرمةٍ أو حِلّية، بل هي أعرافٌ وتقاليد أتى عليها الزمان ويريد المحافظون التشبث بها، فيحتجون لذلك بالقرآن وتقاليد السلف، في حين ينقسم الناس إلى فريقين: فريق يرى أنّ الإصلاح الديني لأكثر من قرنٍ قضى في هذه المسألة لصالح المرأة، ولا يجوز الرجوع عن ثمرات حركة الإصلاح، بينما يرى الفريق الآخر أنّ الزمانَ تجاوز كل هذه المسائل، سواء أتعلق الأمر بفهم القرآن أو لحماية التقاليد. والمعروف أنّ نصف القرن الأخير والذي شهد متغيرات كبيرة وفهماً آخر للدين والقيم يعتبر أنّ حجج المحافظين وتعللاتهم ما عاد لها مكان. وبخاصةٍ أنّ ثمانين بالمائة من الفتيات يغطين رؤوسهنّ ويلبسن ملابس شديدة الاحتشام.

ولذا، ففضلاً عن التفلت الفظيع لدى الشبان العابثين، فإنّ القضاء ما عاد كافياً، وصار من الضروري حدوث تغيير ثقافي كبير يدعم حريات المرأة وكرامتها. وخصوصاً أن التحجب الكثيف لدى النساء في مجتمعاتنا، مثل كشف الرأس، هو تعبيرٌ عن وعي المرأة بذاتها وحرياتها. فلنترك تلك الأوهام بشأن القدرة على تجميد المجتمع في قالبٍ واحد. وعلى الهيئات الدينية مسؤولية كبرى لجهة التأثير على الجمهور بهذا الاتجاه. فعندما لا تعرض الهيئات على المجتمعات حلولاً ومخارج معقولةً، فهي تتحمل جزءاً من المسؤولية ليس لدى المجتمعات، بل وتجاه الدين والتدين والقدرة على الاستيعاب والضبط.

ولنذهب إلى قضية تعدد الزوجات. لقد صارت لها صيغ كثيرة. لكنّ الوضع واحد: الجمع بين زوجتين أو ثلاث، سواء علمت الزوجة الأولى بذلك أم لم تعلم. وفي هذا الصدد عمل الإصلاحيون المسلمون كثيراً أيضاً، وقالوا جميعاً بكراهية التعدد أو تحريمه، لأنّ التعديد يعني خصوماتٍ طاحنة، وعذاباً للأولاد، وحيوات أُسرية مفككة.

وهناك تستطيع الدول أن تؤثر بالتربية الاجتماعية وأحياناً بالقانون، كما فعل الرئيس بورقيبة وإصلاحيون آخرون. إنما لولا أعمال الإصلاحيين لما تمكن بورقيبة من الإقناع بتطوير مدونة الأحوال الشخصية. الجرائم جرائم، والحريات حريات. والجرائم ضد النساء لأي سبب ما عاد يمكن احتمالها. فلنصغ لقضية الحرية، وللحياة الأُسرية السليمة، أو يبقى الظلم واقعاً بالدين وبالمجتمع.

*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جرائم تثير حساسيات دينية جرائم تثير حساسيات دينية



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon