العرف والمعروف والسياسة

العرف والمعروف.. والسياسة

العرف والمعروف.. والسياسة

 لبنان اليوم -

العرف والمعروف والسياسة

بقلم: رضوان السيد

عندما أراد رفاعة رافع الطهطاوي (1801-1873)، المصري العائد من فرنسا عام 1831 بعد بعثةٍ استمرت خمس سنوات، التمييزَ بين الحضارتين الغربية والإسلامية، ذهب في كتابه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» إلى أنّ المميز الرئيس هو أنّ الغربيين أو بالأحرى الفرنسيين يحتكمون إلى التحسين والتقبيح العقليين، في حين أنّ التحسين والتقبيح عند المسلمين شرعيان. وما كان الطهطاوي محقاً في هذه القسمة.

ففي الحضارة الإسلامية تيارٌ لاهوتي أو كلامي كبير هو التيار المعتزلي يرى أن التحسين والتقبيح في الأفكار والتصرفات صناعة عقلية أو حكم عقلي. والطهطاوي في حكمه أو تمييزه يعتمد توجهَ أهل السنّة ويعتبره السائدَ بين المسلمين. لكن حتى لدى أهل السنة هناك فرق أو فروق بين المتقدمين والمتأخرين في مسألة الحكم ومتى يكون المرجع العقل أو الشرع.
والواقع أنّ الحكم لدى الغربيين خلال ما يزيد على القرون الثلاثة ما عاد بين المعروف العقلي والمعروف الكَنَسي أو اللاهوتي، بل بين ما هو حق الفرد وحقوق الجماعة. والدولة بمقتضى العقد الاجتماعي تتولى حقوق الجماعة، وفي الوقت نفسِه تحمي حقوق الأفراد وأولها الحقوق الشخصية ومنها الحريات الدينية. والتمييز بطبيعة الحال صعبٌ جداً وليس في الماهية فقط بل وفي الحدود أيضاً.
ولماذا نبقى في العموميات؟ ففي الشهور الأخيرة أُثيرت قضيتان شديدتا الأهمية في الولايات المتحدة. ففي الدستور الأميركي هناك مادة تضمن حق الأفراد في ملكية السلاح وحمله. وقبل خمسين عاماً أعطت المحكمة الدستورية العليا في أميركا النساءَ حق الإجهاض باعتباره حقاً فردياً للمرأة الحامل. بيد أنّ المحكمةَ ذاتها عادت أخيراً فمنعت الإجهاض. في حين ما أمكن للكونغرس وللمحكمة الحدّ من حق حمل السلاح رغم آلاف الجرائم المرتكبة في شتى جهات المجتمع خلال العقود الأخيرة من جانب حملة السلاح (الشرعي)!
لا تخجل الجهات التي تنصر ملكية السلاح من القول إنّ لوبيات السلاح قوية وهي تؤثر على النواب وعلى قضاة المحكمة. وإذا وصل الأمر إلى الإجهاض فإنهم لا يخجلون أيضاً من القول إنّ الدستور لا ينص على حق المرأة في الإجهاض!
أين تبدأ الحقوق الفردية وأين تنتهي؟ وأين الأفراد والمجتمعات والدول من حق حفظ النفس؟ ثم ما معنى العُرف وما معنى المعروف؟ وإذا اعتبرنا أنّ الإجهاض يصادم وجوب حفظ الحياة الإنسانية، فماذا نقول عن حمل السلاح من جانب الأفراد فيما وراء قوى حفظ القانون وإنفاذه؟ في عالم الإسلام، إذا شئنا عدم تجاهل الطهطاوي، هناك مقاصد الشريعة التي تضمن بواسطة السلطة الشرعية (القائمة) خمسَ ضروريات أو واجبات: حفظ النفس وحفظ العقل وحفظ الدين وحفظ النسل وحفظ المال.
وهذه هي حالة الشرعية التي تضمن المجتمع والدولة معاً، بمعنى أنّ الضمان مشترك. فما الذي يحدد الضروريات بالضبط، وما الآليات التي تتحدد وتتحول إلى ما يشبه القانون (وإن يكن أكثر مرونة). المحدِّد هو العرف والمعروف. والمعروف عُرفاً كالمشروع شرعاً. فهدف العرف والمعروف هو تحقيق المصالح العامة بحيث يكون حال الناس أو المجتمع أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وهذا هو معنى السياسة بحسب ابن عقيل كما نقله عنه ابن قيم الجوزية في كتابه «الطرق الحكمية في السياسة الشرعية».
ولنعد إلى الواقع الاجتماعي والسياسي، ففي الحالتين العارضتين في الولايات المتحدة هناك سلطتان: السلطة السياسية (عبر المجالس المنتخبة)، والسلطة القضائية. وهما مستقلتان ولا تهيمن إحداهما على الأخرى. لكنّ السلطات السياسية تؤثر بتعيين القضاة في المحكمة العليا.
وفي الحالتين اللتين بين أيدينا أظهرت السلطتان قصوراً، ويحتاج الأمر إلى سنوات للتصحيح الذي سيتأثر بالأعراف المتغيرة. ولو عدنا للجهة الإسلامية، لوجدنا أنّ نزاعاً قد ظهر قديماً بين القضاة الذين اعتبروا أنفسهم ممثلين للشريعة، والسلطات السياسية بشأن طرائق حفظ الحقوق، ومعاقبة الجرائم. وانحسم الأمر لصالح السياسة، لأنّ الناس شكوا كثيراً من قصور القضاء وليس من قصور الشريعة!

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العرف والمعروف والسياسة العرف والمعروف والسياسة



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon