لماذا يحذِّر ماكرون من حرب أهلية

لماذا يحذِّر ماكرون من حرب أهلية؟

لماذا يحذِّر ماكرون من حرب أهلية؟

 لبنان اليوم -

لماذا يحذِّر ماكرون من حرب أهلية

طوني عيسى
بقلم : طوني عيسى

هناك مسألة أصرَّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على إثارتها في إطلالاته اللبنانية منذ انفجار 4 آب. إنها «الحرب الأهلية». وأحياناً، جاءت مقاربته لهذا الملف مرتَبِكة ومتناقضة. وهذا ما دفع المتابعين إلى التقصّي عن الخلفيات: هل يمتلك ماكرون معلومات أمنية خطرة ولا يحاول البَوْح إلّا بجزء بسيط منها، أم انه يستخدم «فزّاعة» الحرب الأهلية لدفع الجميع، ولا سيما منهم «حزب الله»، إلى الشعور بحجم المسؤولية والتنازل؟

في زيارته السابقة لبيروت، جزمَ ماكرون بوجود مخاطر اندلاع حرب أهلية في لبنان، إذا لم تنجح المبادرة الفرنسية. ويومذاك، صدرت أصوات عدّة تستنكر هذا الاستنتاج الفرنسي وتعتبر أنه غير واقعي، وأنه مثير للهواجس بنحو غير مبرَّر.

وفي الإطلالة الأخيرة من باريس، قبل يومين، أراد ماكرون تكرار تحذيره، ولكن بطريقةٍ تجنِّبه ردود الفعل السلبية. فطمأن إلى أنه لا يخشى اندلاع حرب أهلية، لكنه استدرك محذّراً من أنّ «الأمور ربما تقود إليها إذا بقيت الطريق مقفلة أمام الحلول». وذكَّر بحرب العام 1975، وقال: «الوضع في لبنان حالياً لا مثيل له منذ تلك الحرب»، التي بدأت في شكل معيّن واتَّخذت أشكالاً أخرى واستمرت سنوات.

البعض اعتبر أنّ ماكرون يغرِّد خارج السياق الواقعي، فلا أحد في الداخل يمتلك الرغبة أو القدرة على الدخول في حرب. وحتى «حزب الله»، بترسانته الهائلة وتنظيمه العسكري والأمني، يدرك أنّ أي انزلاق منه نحو الحرب الداخلية سيؤدي إلى غرقه في الرمال اللبنانية ويمنح القوى الخارجية مبرِّر المطالبة بنزع سلاحه.

إفتراضاً، إذا عادت التنظيمات الطائفية والمذهبية إلى تنظيماتها الميليشيوية (وهذا أمر صعب التحقيق حالياً)، فإنّ «حزب الله» سيكون تلقائياً ميليشيا الشيعة، وهذا أمر لا يناسبه إطلاقاً. فالعنوان الذي على أساسه يتمتَّع «الحزب» بامتياز التسلّح، هو أنّ مهمَّته ليست في الداخل بل على الحدود مع إسرائيل.

وحتى في المرّات القليلة التي نزل فيها «الحزب» بسلاحه إلى الشارع الطائفي أو المذهبي، كما في 7 أيار 2008، نرى أنه اتَّكلَ على «وَهْجِ السلاح» لا على السلاح نفسه. وحتى اليوم، استطاع «الحزب» أن يسيطر على غالبية القرار اللبناني باستخدام «الوَهج» لا أكثر. وإذا كان «الوهج» كافياً، فلماذا المخاطرة باستخدام السلاح نفسه؟

لكنّ البعض، في أوساط «حزب الله»، يردّد مقولة أخرى. ففي رأيه أنّ هناك قوى ربما تخطّط لحرب أهلية تشغل «الحزب» وتُظهره ميليشيا طائفية ومذهبية لا أكثر. وفي هذه الحال، يصبح مبرراً إنهاء دوره كما انتهى دور سواه من ميليشيات في أوقات سابقة.

في المقابل، هناك مَن يعتقد أنّ تحذيرات ماكرون من حرب أهلية لا تنطلق من فراغ، ومردّها امتلاكه معلومات دقيقة عمّا يجري على الأرض، وقراءة واقعية للسيناريوهات المحتملة في الأشهر المقبلة.

فليس عبثياً أن يكون المعني بتنفيذ المبادرة في باريس هو المدير العام لجهاز الاستخبارات الخارجية برنار إيمييه، الذي كان أيضاً سفيراً في بيروت. ومن خلال هذين الموقعين، هو مطَّلع بعمق على كثير من الخفايا الأمنية والسياسية في لبنان.

بعض المطلعين يقولون إنّ باريس تخشى أن يؤدي الاهتراء المالي والاقتصادي والاجتماعي في لبنان إلى اهتراء أمني حتمي، خصوصاً في ظل المواجهة الكبرى الجارية بين الولايات المتحدة وإيران. فقد يقرِّر الطرفان - أو أحدهما - أن يذهبا في هذه المواجهة إلى الحدّ الأقصى وأن يستخدما كل الأسلحة المتاحة لهما.

لكنّ الأخطر هو المعطيات التي تتوافر للفرنسيين عن تحرُّك الجماعات الإرهابية، في لحظات التأزم السياسي الداخلي. فاللافت أنّ خلايا «داعش» بادرت إلى افتعال عمليات إرهابية متلاحقة في الشمال، وإلى التخطيط لأخرى في العاصمة، بعد انفجار 4 آب، وفق ما كشفت الأجهزة العسكرية والأمنية.

فهذه الجماعات استفاقت بنحو مفاجئ بعدما كانت تلتزم السكون في نحو واضح، منذ أن تلقّت ضربات الجيش وخرجت من جرود عرسال في صيف 2017. ويثير الهواجس احتمال دخول هذه الجماعات على خط الأزمة لإشغال القوى العسكرية والأمنية وخَلق حالٍ من التوتر، تنفيذاً لأجندات غامضة.

ويدرك الفرنسيون أنّ التوافق السياسي هو الباب الحتمي لوقف الانهيار المالي والاجتماعي والأمني. ويراهنون على نجاح اتصالاتهم برعاة الحلّ الإقليميين والدوليين، ولا سيما منهم إيران والولايات المتحدة.

حتى الآن، تبيّن لهم أنّ إيران تحتاج إلى لبنان بقوة ليكون ورقة على الطاولة في أيّ مساومة من أجل صفقة محتملة مع واشنطن. أمّا الإدارة الأميركية فهي تتفق مع باريس في السعي إلى صون الدولة في لبنان، لكنها ليست مستعدة للتنازل لإيران بأي ثمن. ولذلك، هي ترفع منسوب الضغط إلى درجة عالية جداً، خصوصاً من خلال العقوبات.

وفي تقدير الأميركيين أنّ طهران ستستخدم كل أوراقها للدفاع عن مكتسباتها في لبنان، وأنها ستحاول ملء الفراغ إذا حصل انهيار مؤسسات الدولة. ولهذا السبب، هم في صدد رفع مستوى الدعم للجيش، والرهان عليه، في اعتباره ضماناً لاستمرار المؤسسات.

إذاً، هناك مرحلة مواجهات صاخبة آتية، يتداخل فيها المحلي بالإقليمي والدولي، ويصبح فيها مبرَّراً خوف باريس من ارتفاع الحرارة في العلاقات «الإنترطوائفية» في لبنان. ويرتبط هذا الكلام بما قاله وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، قبل شهرين، عن احتمال تعرّض لبنان الدولة والكيان للزوال.

وليس سرّاً أنّ الفرنسيين يترقبون عن كثب احتمال أن تتعرَّض خرائط الشرق الأوسط للاهتزاز، وسط الكلام عن انتهاء مرحلة سايكس- بيكو التي كانوا عرّابيها لقرنٍ مضى، والتحضير لمرحلة أخرى بعرّابين جدد. وهذا التغيير قد لا يتمّ «على البارد» في كثير من الكيانات، وهذا واضح. فهل تنجح «الأم الحنون» في إنقاذ وَليدها لبنان من هذه الكأس المُرَّة؟

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا يحذِّر ماكرون من حرب أهلية لماذا يحذِّر ماكرون من حرب أهلية



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon