«إعلان جدة» بين جدية ماكرون وقدرة ميقاتي

«إعلان جدة» بين جدية ماكرون وقدرة ميقاتي

«إعلان جدة» بين جدية ماكرون وقدرة ميقاتي

 لبنان اليوم -

«إعلان جدة» بين جدية ماكرون وقدرة ميقاتي

بقلم:سام منسى

يصعب عدم إعطاء المبادرة السعودية - الفرنسية تجاه لبنان التي سميت إعلان جدة، الاهتمام اللازم والضروري وذلك لسببين رئيسين؛ الأول هو وضوح الرؤية السعودية وتصميمها، والثاني هو التغيير الذي قد يكون تحقق في سياسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد لقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. المأمول هو أن يكون هذا التغيير استراتيجياً مستداماً ونابعاً عن قناعة بالموقف السعودي الذي أصاب لب المشكلة ومسبباتها وليس نتائجها، ويشكل اختلافاً عما بدر عنه منذ زيارته بيروت عقب تفجير المرفأ والمراوحة التي عاشتها مبادرته حتى وصفها بعضهم بأنها ماتت حتى قبل أن تولد.
وينبغي أيضاً قراءة المبادرة السعودية - الفرنسية على ضوء المناخ الدولي والإقليمي. فالعالم يشهد حراكاً دبلوماسياً كبيراً وسط متغيرات سياسية لا يمكن القفز فوقها. فهناك حدثان رئيسان يطبعان المناخ السياسي الدولي؛ الأول هو محادثات فيينا بشأن الاتفاق النووي التي ورغم تعثرها يبدو أنها مستمرة جراء الإصرار الأميركي والأوروبي على ضرورة وأهمية العودة للامتثال ببنوده، باعتبار أن هذا الاتفاق ورغم العورات التي تشوبه يبقى أفضل من عدمه.
الحدث الثاني البارز هو ما قد يصيب العلاقات الروسية - الأميركية على خلفية الحشود الروسية على حدود أوكرانيا والتهديد بنزاع جديد تشهده القارة الأوروبية إذا شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عملية عسكرية كبيرة ضد أوكرانيا والتداعيات التي قد تنشأ جراءها. وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى رمزية مشهد القمة الأميركية - الروسية الافتراضية التي عقدت الأسبوع الفائت وظهر فيها الرئيس الروسي بكل زهوه، مقابل إصرار إدارة الرئيس جو بايدن على اعتماد الضغوط الدبلوماسية لكبح العملية الروسية المتوقعة، والاكتفاء بالتهديد بعقوبات ولو أنها وصفت بالقاسية إذا حصلت.
أما في الإقليم، فالمشهد مختلف إلى حد ما وعنوانه الرئيس الحراك السعودي والإماراتي الهادف إلى معالجة التصدع في منظومة العالم العربي والتشظي الذي أصابها في العقد المنصرم. هذا الحراك يدور حول عدد من المحاور، أبرزها رغبة في التهدئة مع إيران، تسير بالتوازي مع استمرار زخم التطبيع مع إسرائيل من الجانب الإماراتي. ولا بد من الإشارة إلى أن محاولات التهدئة مع إيران لا تعني أن الأمور سوف تتحول من التجاذب الحاد في العلاقات الإيرانية - الخليجية بخاصة والإيرانية - العربية بعامة إلى الود والدفء، إنما تسعى إلى تهدئة الأوضاع على جبهات النزاع بين الطرفين. واللافت في هذا الإطار هو استقبال الرئيس الإيراني مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد في الوقت نفسه الذي دعت فيه الإمارات الرئيس الإسرائيلي لزيارتها، في موقف يترجم بشكل واضح السياسة الإماراتية بعدم التراجع عن مسار التطبيع.
في هذا السياق، يدخل العامل الإسرائيلي الذي يتميز بتشكيك حقيقي تجاه إيران بعامة وطموحها النووي بخاصة، إنما يبقى هذا الحذر ضمن حدود اعتبار الحرب خياراً مستبعداً في هذه المرحلة. ويبقى الدور الإسرائيلي محط تساؤل مع استمرار إسرائيل في قصفها اليومي لأهداف إيرانية على الأراضي السورية من جهة، وورود معلومات عن مصادر يفترض أنها مطلعة على الموقف الإسرائيلي من الاتفاق النووي تقول إنه لا ينسجم كثيراً مع ما تعلنه إسرائيل من معارضة شديدة لهذا الاتفاق من جهة أخرى. تؤكد هذه المعلومات أن الموقف الإسرائيلي الحقيقي والفعلي يؤيد التوصل إلى اتفاق من دون الإفصاح عن حقيقة المضمون الذي توافق عليه إسرائيل. إنما في المحصلة، تفضل إسرائيل العودة إلى الاتفاق النووي على فشل المفاوضات، ما قد يؤدي إلى نزاع عسكري غير مرغوب لا إسرائيلياً ولا أميركياً ولا أوروبياً.
وسط هذا المناخ الدولي والإقليمي، صدر «إعلان جدة» السعودي - الفرنسي، ولا نبالغ إذ نقول إن الشعب اللبناني متخوف من أن يكون مصيره كمصير المبادرات الداخلية والإقليمية والدولية الكثيرة التي شهدوها على مر أكثر من خمسة عقود، كانت جميعها تدور الزوايا ولم تثمر سوى شراء الوقت ونفخ آمال مزيفة في نفوس اللبنانيين.
فاللبنانيون حذرون من جدية التغيير في الموقف الفرنسي وأن يكون لا يعبر عن قناعة فعلية بل مجرد «مسايرة» للمملكة العربية السعودية أو نابعاً من خيبة أمل الرئيس الفرنسي من طهران والذي كان يعتقد أن بمقدور بلاده لعب دور في إقناعها بتليين موقفها من الشأن اللبناني والضغط على «حزب الله» للوصول إلى تسويات وتفاهمات في لبنان. هل الموقف الفرنسي الجديد هو موقف استراتيجي يحدد رؤية فرنسية جديدة وجدية لخطر إيران وأذرعها في المنطقة، أم هو مجرد تكتيك أسبابه داخلية أكثر منها خارجية؟ الأيام المقبلة وحدها قادرة على الإجابة.
السؤال الذي يهم لبنان واللبنانيين في هذه المرحلة، هو إذا صح أن الرئيس الفرنسي مقتنع بالمبادئ التي أعلنت في المبادرة فما هي الترجمة الفعلية لذلك؟ وهل صحيح أن الرئيس الفرنسي يستند إلى رافعة أوروبية وأميركية داعمة له، أم أن الحراك هو مجرد حراك دبلوماسي ترك للرئيس ماكرون مساحة للقيام به لأن لبنان ليس على أجندة القوى العظمى في العالم؟
تبرز هنا مجدداً المقاربتان المختلفتان تجاه لبنان واللتان يجري تداولهما سواء في الداخل اللبناني أو الخارج الإقليمي والدولي لا سيما في الدوائر الأميركية الرسمية أو البحثية.
المقاربة الأولى تقول بوجوب مساعدة لبنان إغاثياً وإعادة شيء من السيادة والاستقلال وحرية القرار إليه عبر الدفع بالالتزام بالإجراءات الديمقراطية واحترام الاستحقاقات الدستورية كالانتخابات التشريعية مثلاً. هذه المقاربة تساهم في استمرار المراوحة على ما جرت عليه الأمور منذ بداية الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينات، وفي ظل هيمنة «حزب الله» فهي تصب في مصلحة تمكين سيطرة المحور الإيراني على مقدرات البلاد. المقاربة الثانية براغماتية وقاسية تقول بضرورة ترك لبنان ينهار كلياً، ما قد يضعف «حزب الله» ويسقط القيد الإيراني عن عنقه، ويسمح تالياً بعملية إنقاذ جدية للبلد تعالج جذور الأزمة ومسبباتها وتدفع لبنان باتجاه بناء الدولة.
في الجانب السعودي، ورغم الوعود التي حصل عليها الرئيس الفرنسي فيما يخص لبنان، تدور تساؤلات عدة حول الرغبة السعودية في الاستمرار في تعهداتها مع انكفاء السلطة في لبنان عن القيام بأبسط واجباتها واستمرار «حزب الله» في تعطيل مجلس الوزراء، لا سيما أن الأمير محمد بن سلمان يكرر في كل محطات جولته الخليجية موقف المملكة تجاه الوضع اللبناني، بينما تبقى المشكلة بعدم وجود سلطة لبنانية يستطيع الخارج الإقليمي والدولي التحاور معها ويثق بأنها تلتزم بما قد تتعهد به. ويبدو أن المستقبل اللبناني لا يزال غامضاً باستثناء حقيقة واحدة هي أن غالبية اللبنانيين من سياسيين ومواطنين عاديين يعيشون خارج الواقع، أو كما يقال في «اللالا لاند»، ويعتقدون كما جرت العادة أن الغيث سوف يأتي من الخارج ومجاناً.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«إعلان جدة» بين جدية ماكرون وقدرة ميقاتي «إعلان جدة» بين جدية ماكرون وقدرة ميقاتي



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon