من دروس الثلاث سنوات الأخيرة

من دروس الثلاث سنوات الأخيرة

من دروس الثلاث سنوات الأخيرة

 لبنان اليوم -

من دروس الثلاث سنوات الأخيرة

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

لا شك في أن وتيرة الأحداث والتغييرات التي شهدها العالم في السنوات الثلاث الأخيرة سريعة ومفاجئة بشكل خاص جداً. طبعاً ندرك جيداً أن العالم دق لحظة التغييرات من تاريخ حرب الخليج الأولى، ومثّلت أحداث 11 سبتمبر 2001 النقطة المفصلية في مسار المرحلة الجديدة القسرية التي خلطت أوراق العالم، وأعادت إنتاج كل شيء على نحو ما زلنا نعاني تبعاته، والتحقت بذلك تداعيات أخرى، وتعقّد الوضع إلى درجة ضاعت فيها القدرة على التوقع على المدى القريب. بل إنه حتى الخطة الأممية للتنمية المستدامة، سيعترف القائمون عليها الذين يقيسون درجة التقدم في تجسيد الأهداف، بأن الأحداث المفاجئة التي حصلت مع الأسف بدلاً من أن تقلص من عدد الذين هم خلف الركب فإن أعدادهم تضاعفت، ومن ثمّ فإن أول شيء سيقع عند بلوغ لحظة التقويم في سنة 2030 هو تغيير السقف الزمني ورزنامة الأهداف.
لقد عرفت السنوات الثلاث الأخيرة أحداثاً فعلاً مُربكة، أولها الجائحة التي مثّلت نقطة حاسمة، وتجربة صعبة مليئة بالدروس، ثم الحرب الروسية الأوكرانية ذات التداعيات الاقتصادية الوخيمة على شعوب شتى، وصولاً إلى الزلزال المخيف والقاهر الذي عصف بأرواح أكثر من 30 ألف شخص من أطفال ورجال ونساء في تركيا وسوريا.
أبسط استنتاج يمكن النطق به، هو أن الإنسانية عانت كثيراً في السنوات الثلاث الأخيرة، رغم أن السنوات الأخيرة التي سبقتها لم تكن سهلة، وعرفت دول كثيرة مرارة الإرهاب وجبنه، وعاشت شعوب إخفاقات الثورات وإرباكاتها، ولم تكن التحولات التي رافقت عمليات التغيير السياسي سهلة على الطبقات الفقيرة والمتوسطة. ولسنا نبالغ لو قلنا إن الحديث اليوم في كل العالم عن طبقة وسطى أصبح حديثاً يجانب الواقع.
إن تكلفة الأحداث المفصلية والتجارب الصعبة التي عرفها العالم ضخمة ومست الأبعاد كافة، سواء النفسية والاقتصادية والاجتماعية. وكانت هذه الأحداث رغم هذه التكلفة الباهظة والموجعة، حيث إن الجائحة أوجعت الإنسان في عمق روحه ووجدانه، وزلزال سوريا وتركيا كان قاسياً وموجعاً بكل المعاني، فإن الدروس الكبرى المستخلصة يمكن تحديدها وتبويبها في عناصر ومحاور كبرى، باعتبار أن ضخامة الأحداث تفرض ذلك آلياً.
ويبدو لنا أن الدرسين الأول والثاني، هما أن الإنسانية تحتاج من هنا فصاعداً إلى مصدرين للقوة، وذلك للتصدي للأزمات، وهما: الدولة والمجتمع المدني.
لقد أصبح من المستعجل بعد أحداث السنوات الأخيرة بناء خطاب دولي يدافع بشراسة عن الدولة ذات الدور الاجتماعي، بنفس الشراسة التي تم فيها الدفاع عن الليبرالية المستوحشة. ولن تستطيع أي دولة أن تقوم بدورها الاجتماعي إلا إذا كانت قوية في إدارة خلق الثروة، والإشراف على ذلك بشكل يضمن حقوقها؛ لأن تلك الحقوق هي حقوق الفقراء، والذين يمكن أن يجدوا أنفسهم فقراء في لحظة ما. ومن دروس الثلاث سنوات الماضية أن الفقر حدث طارئ يمكن أن يصاب به حتى من كان غنياً. ذلك أن الحديث عن إفلاس المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وغلق كثير من المؤسسات المتوسطة والكبرى جراء جائحة «كوفيد»، يعني عملياً أن أعداد الفقراء قد زادت. وعندما تتهاطل هذه التداعيات، فإن الحل يكون من مشمولات الدولة، الشيء الذي يحتم أن تكون قوية، وأن تكون لديها موارد ضخمة؛ كي تتمكن من أداء واجباتها في الطوارئ. وفي الحقيقة أكبر دور تظهر فيه الدولة وظيفتها ونجاعتها هو الدور الاجتماعي الذي سيظل مطلوباً حتى لو تم القضاء على الفقر ولم يعد في العالم عاطلون عن العمل، حيث إن الأزمات خصوصاً الطبيعية منها من أسباب قوتها وقسوتها أنها تخلط أوراق الواقع، وتفسده على نحو يتغير فيه الواقع نفسه، وتظهر مشكلات لم تكن في الحسبان.
إذن الدرس الأول أنَّ خطاب تراجع دور الدولة الذي ساد في العقدين الأخيرين قد أثبتته الأحداث والأزمات، خصوصاً أنه ليس في صالح الشعوب. وأظهر الواقع أن قوة الدولة في دورها الاجتماعي في زمن الأزمات. من ناحية ثانية أكدت هذه الأزمات أن المجتمع المدني له دور حيوي أيضاً، وذلك لما يقوم به اجتماعياً من دعم ومساعدات للناس ضحايا الأزمات والمتضررين منها. فاللحظة اليوم اجتماعية في العمق، وكل حديث عن التداعيات الاقتصادية للأزمات إنما هو في الحقيقة حديث عن أفراد ستزداد هشاشتهم، وعن أسر معرّضة لشتى أنواع الأزمات والهزات، التي ستعبر عن نفسها في التوتر والعنف والطلاق وانقطاع الأطفال عن الدراسة والانحراف... لذلك فإن الرهان في دولنا العربية اليوم على المجتمع المدني من المهم أن يتكثف باعتبار دوره الاجتماعي في الأزمات أيضاً.
إن إدارة الأزمات كما أظهرت دروس السنوات الأخيرة تجعلنا أكثر ثقة وإصراراً في المطالبة بأن تظل الدولة قوية، وأن تحافظ على موارد قوتها، وأن يتصاعد دور المجتمع المدني ليكون شريكاً في إدارة أي أزمة يمكن أن تحصل. هكذا نعد العدة للأزمات وبأشياء أخرى طبعاً.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من دروس الثلاث سنوات الأخيرة من دروس الثلاث سنوات الأخيرة



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon