الحلُّ في غزة لا يسلُك سبيل «جُحا» ولا يعرفه

الحلُّ في غزة لا يسلُك سبيل «جُحا» ولا يعرفه

الحلُّ في غزة لا يسلُك سبيل «جُحا» ولا يعرفه

 لبنان اليوم -

الحلُّ في غزة لا يسلُك سبيل «جُحا» ولا يعرفه

بقلم: سليمان جودة

جربت حكومة التطرف في تل أبيب الذهاب إلى حلٍّ مع الفلسطينيين من كل الطرق الخطأ، ولم تجرب ولو لمرة واحدة أن تذهب إلى حلٍّ معهم من الطريق الصحيح.

وللأمانة، فإن مرة واحدة جرى فيها الذهاب من الطريق الصحيح، وكانت عندما التقى ياسر عرفات مع إسحاق رابين في البيت الأبيض برعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون، ولو أكمل الرجال الثلاثة طريقهم، أو «طريق أوسلو» كما اشتهر وقتها، لكان هذا هو الذهاب الصحيح، أو لكان هذا هو الدخول إلى البيت من بابه، لا من نافذتهِ هذه مرةً، أو نافذتهِ تلك مرَّاتٍ، وكلها لم تكن لها حصيلة سوى حصيلة الدم، والقتل، والدمار.

لسنا في حاجة إلى شرح تفاصيل ما كان بعد لقاء الثلاثة، فاغتيال رابين في 1995 أعاد الكرة إلى مربعها الأول، ومن يومها لا تزال فيه إلى اليوم، وعندما جاءت حكومة التطرف التي تحكم في تل أبيب، قررت ألا يكون هناك مربع ولا كرة من الأصل، فكان ما كان مما نتابع حلقاته المأساوية منذ إطلاق الحرب على قطاع غزة قبل سنتين.

جرَّبت حكومة التطرف أن ترسل بعضاً من الفلسطينيين إلى إحدى الدول الآسيوية على سبيل التجربة في موضوع التهجير، وقالت إنهم عدد من عمال البناء، وإنهم دُفعة أولى سوف تتلوها دُفعات، ولكن سرعان ما تبين لها أن الفكرة بائسة بما يكفي، وأنها لا حظوظ لها في النجاح، وأن الفلسطينيين مكانهم أرضهم في فلسطين وليس هناك في آسيا.

وجربت أن ترسل عدداً منهم إلى أوروبا على سبيل التهجير أيضاً، ثم اتضح أن الفكرة في أوروبا ليست أسعد حظاً منها في آسيا، فاختفت وغمرها النسيان ولم يعد يذكرها أحد.

وجربت أن تدفعهم مرة إلى شمال القطاع لتحصرهم في مكان ضيق لعلهم يختنقون فلا يكون أمامهم إلا الهرب والهجرة، فكان الفلسطينيون أشد تمسكاً بالبقاء في المكان. ثم جرَّبت أن تحصرهم في الجنوب، وأن تحاصرهم في ركن من أركانه، فلم يغادر الفلسطينيون الجنوب بمثل ما لم يغادروا الشمال.

وجربت تقطيع أوصال القطاع، فكانت مرة تقطعه بالطول، ومرة تقطعه بالعرض، وفي المرتين كانت تكتشف أن هذه طريقة غير مجدية، وأن الفلسطينيين باقون لا يهمهم تقطيع ولا غير تقطيع، وأن الرهان على مغادرتهم رهان خاسر تماماً.

وجرّبت إدارة ترمب بالتوازي أن تتكلم عن أن القطاع لم يعد صالحاً للعيش، وأن إعماره لا يمكن مع وجود الفلسطينيين فيه، وأنها تفكر في أن يتحول القطاع على يديها إلى كذا وكذا من المقترحات العجيبة، التي لم تكن تختفي إلا لتعود من جديد، ولم يكن ترمب ينفيها إلا ليعود إلى ترديدها هي نفسها كأنه بلا ذاكرة!

وجرَّبت الإدارة في واشنطن مع حكومة التطرف معاً، أن تتحدثا عن أرض هنا في المنطقة، وعن أرض هناك خارج المنطقة، وعن أن الأرض المرشحة في الحالتين مكان مقترح لتهجير الفلسطينيين إليه، وأن الاتفاق مع أصحاب هذه الأرض أو تلك يجري ويتم. وكان الأمر ينتهي في كل مرة إلى لا شيء، لأن ما يقال ضد طبائع الأشياء، ومن شأن الأمر الذي يتصادم مع طبائع الأشياء ألا يصمد عند أول اختبار وعند كل اختبار.

وفي كل مرة كان هذا كله يبدو كأنه قصة «جُحا» عندما سألوه أن يمسك أُذنه اليسرى بيده اليمنى، فمد يده من وراء رأسه باذلاً من الجهد ما ليس في حاجة إليه لتصل يده إلى أُذنه. فلقد كان في إمكانه أن يمدها من أمام وجهه فلا يبذل جهداً، ولا يتعسف في فعل ما كان عليه أن يفعله، ولا يدور حول رأسه بينما في مقدوره ألا يفعل هذا ولا يلجأ إليه. ومن يومها قيل «ودنك منين يا جُحا؟»، وصار التساؤل مثالاً نضربه على الذهاب إلى أي هدف من غير الطريق الصحيح.

كل ما جرى تجريبه بشأن غزة التفاف في الحقيقة على الطريق الصحيح، تماماً كما التفَّت يد «جُحا» من خلف رأسه، وقد كان في مُستطاعه أن يمدها إلى هدفها مباشرةً، وبغير حاجة إلى بذل جهد ضائع في اللف وفي الدوران.

الطريق الصحيح هو الذي صوتت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة فوافقت 142 دولة على حل الدولتين، واعترضت عشر دول، وامتنعت عن التصويت اثنتا عشرة دولة. وبالأرقام أمامنا نجد أنه لا وجه للمقارنة بين عدد الدول التي وافقت بهذه الأغلبية الكبيرة، وبين الدول التي اعترضت ومعها الدول التي امتنعت. لا وجه للمقارنة لأن هذا هو الطريق الصحيح، وليس سبيل «جُحا» الذي يدور بعيداً عن الطريق الصحيح.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحلُّ في غزة لا يسلُك سبيل «جُحا» ولا يعرفه الحلُّ في غزة لا يسلُك سبيل «جُحا» ولا يعرفه



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon