استدعاء الماضي إلى البيت الأبيض والكرملين

استدعاء الماضي إلى البيت الأبيض والكرملين

استدعاء الماضي إلى البيت الأبيض والكرملين

 لبنان اليوم -

استدعاء الماضي إلى البيت الأبيض والكرملين

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

لا أذكر أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب ذكر شيئاً عن الرئيس جيمس مونرو، الذي كان خامس رؤساء الولايات المتحدة الأميركية في بدايات القرن التاسع عشر.

لم يذكر عنه شيئاً، ولا عمّا إذا كان معجباً به، ولكن كل الأسباب تقول إن مونرو يعيش في داخل ترمب ويؤثر فيه، بل إنه يوجّه تفكيره بالإيحاء مرة، وبما هو أبعد من الإيحاء مرةً ثانية. والذين طالعوا جانباً من التاريخ الأميركي يعرفون أن شيئاً مرّ عليه اسمه «مبدأ مونرو»، وأنه ينتسب إلى الرئيس الخامس طبعاً، وأنه كمبدأ كان يؤسس لما يسميه ترمب في أيامنا «أميركا أولاً»، وبكل ما يحمله هذا الشعار من رغبة في عدم توريط البلاد في أي صراع خارجي، ثم رغبة أيضاً في إبعاد أي منافس لها عن مجالها الحيوي الذي يراه ساكن البيت الأبيض.

المضمون واحد في الحالتين، حالة ترمب وحالة مونرو، ولكنه مضمون يرفع شعار «أميركا أولاً» في حالة الأول، ويتخفى وراء «مبدأ مونرو» في حالة الثاني، وكلاهما لا يرى غير أميركا، وإذا رآها فإنه يراها فوق العالم، أو في المقدمة منه في أقل القليل.

إن حديث ترمب عن جزيرة غرينلاند مثلاً، وعن أنه يريدها تابعة لبلاده، قد يكون وراءه مبررات عديدة، ولكن المبرر الأقوى الذي تتكلم عنه إدارة ترمب صراحةً، أن موقع الجزيرة يجعلها في القلب من المجال الحيوي الأميركي كما تتصوره هذه الإدارة، وبالتالي، فلا مجال لوجود منافس للولايات المتحدة هناك، فإذا كان هذا المنافس روسياً، فالمبرر عندئذ يصبح أقوى وأشد.

هذا عن غرينلاند في أقصى الشمال، أما قناة بنما في الجنوب فشأنها هو نفسه تقريباً مع اختلاف بسيط. أما الاختلاف فهو أن ترمب عندما تكلم في أمرها لم يشأ أن يخفي أن وجود الصين في بعض موانيها يؤرقه، وأن الحكومة البنمية إذا لم تنتبه إلى أن الصين منافس قوي للولايات المتحدة، وأن تدخلها في إدارة بعض مواني القناة يجب أن يكون له حد، فإن البيت الأبيض يمكن أن يكون له رأي آخر ويمكن أن يتصرف بما يراه.

تقرأ في تاريخ جيمس مونرو، وتطالع في تفاصيل مبدئه الشهير، وتقارن بينه وبين ما يتحرك على أساسه ترمب باعتباره الرئيس السابع والأربعين، فتكتشف أن هناك مسافة قصيرة بين الرئيسين. مسافة في العقل، وفي الفكر، وفي السياسات المُتبعة على الأرض، وليست مسافة زمنية واسعة نفهمها ونعي حدودها بين الرجلين.

وليست هذه هي المفارقة الوحيدة عند المقارنة بينهما، أو بالأصح عند السعي إلى فهم ما يدور في رأس الرئيس السابع والأربعين. فالمفارقة الأخرى أن ما يبدو أنه يحركه من طرف خفي، هو تقريباً نفسه الذي كان يحرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما أطلق الحرب على أوكرانيا، وعندما تكلم في بعض المناسبات عما يعجبه في تاريخ بلاده، أو عن الذين عاشوا في ذلك التاريخ واستحوذوا على اهتمامه وتفكيره.

ففي أكثر من مناسبة أشار بوتين إلى أنه معجب ببطرس الأكبر الذي حكم روسيا في نهايات القرن السابع عشر، وأضاف في مناسبات تالية أن كاثرين الثانية التي حكمت روسيا في القرن التالي تقف في نظره إلى جوار بطرس الأكبر، وأنهما كانا يضعان روسيا في مكانها كإمبراطورية بين الأمم، وأنه يقتفي أثرهما على الطريق.

كلاهما يحرك بوتين، وكلاهما يمثل قدوة سياسية قيادية في تقديره، وكلاهما عمل على أن تتوسع روسيا، وعلى ألا يقترب منافس لها من مجالها الحيوي. وهذا بالضبط ما سعى إليه الرئيس الروسي منذ أن دخل الكرملين، وهذا أيضاً ما قاله في العلن وفي أكثر من محفل كلما جاءت سيرة للحرب التي لا يزال يخوضها على الأوكرانيين.

كان الزعيم الألماني هتلر في المقدمة من الذين استخدموا مصطلح «المجال الحيوي» أيام كان يرى ألمانيا والألمان فوق العالم، ولا يختلف الحال مع بوتين عنه مع هتلر ولا أيضاً ترمب من حيث جوهر الفكرة، ولكن الاختلاف يقوم بين الزعيم الألماني وبين الرئيسين الروسي والأميركي على مستويات أخرى ويقوم في التفاصيل.

ومن بين التفاصيل أن بوتين لم يستخدم مصطلح هتلر ولا ترمب يستخدمه أو يردده، ولكن هذا لا ينفي أن ساكن الكرملين ومعه ساكن البيت الأبيض يتصرفان بما توحي به فكرة المجال الحيوي في العموم، وبما تفرضه وتقتضيه لدى كل منهما.

الفارق أن ساكن الكرملين يستدعي رمزين من تاريخ بلاده ويراهما دليلاً له ومرشداً، ولا يجد حرجاً في أن يُسميهما في العلن، أما ساكن البيت الأبيض فيستدعي صاحب «مبدأ مونرو» بغير أن يذكر مبدأه وبغير أن يُسميه. والمشكلة في الحالتين هي استدعاء أفكار أو أشخاص من الماضي، من دون التأكد من قدرة الأشخاص والأفكار المُستدعاة على العيش من جديد في غير زمانها، وإلا، فإن الحاضر ينوء بما يفوق طاقته على الذهاب إلى المستقبل.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استدعاء الماضي إلى البيت الأبيض والكرملين استدعاء الماضي إلى البيت الأبيض والكرملين



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon