ليس ككل الأيام

ليس ككل الأيام

ليس ككل الأيام

 لبنان اليوم -

ليس ككل الأيام

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

كلما جاء ٣٠ مارس من كل سنة تجدد موعد الناس مع أعذب الألحان، ولماذا لا يكون كذلك وهو اليوم الذى فيه غادر عبد الحليم حافظ دنيانا بعد أن ملأها بالطرب؟

لا أزال أذكر صباح ذلك اليوم من عام ١٩٧٧ كأنه أمس.. لا أزال أذكر أن قارئ موجز أخبار الساعة السادسة صباحًا فى الإذاعة قد استهل أخباره فقال: وفاة عبدالحليم حافظ فى لندن.

قالها مذيع النشرة بصوت ممتلئ بالألم، ولم يكن يدرى أنه بما قاله قد نشر الحزن فى كل مكان، وأن عشاق عبدالحليم عاشوا من يومها ثم بعدها فى حنين لا ينقطع إليه وإلى أيامه، وأنهم أحسوا ولا يزالون بنوع من اليُتم الفنى.. فلا أحد قد ملأ مكانه، ولا أحد إلى اليوم يستطيع أن يقول إنه قد أكمل المسيرة الفنية التى بدأها العندليب ثم راح يرسخها كل يوم.

تقرأ وتتابع ما يسمعه الناس وخصوصًا الشباب هذه الأيام فتأسى، ولا تعرف ماذا يجدون بالضبط فيما يسمعون؟.. فلا كلمة جميلة يمكن أن يحفظها المرء ثم يرددها بينه وبين نفسه، ولا لحن عذب يمكن أن تعتاده الأُذن وتجد فيه الطرب، الذى إذا خلا منه الغناء فإنه يكون قد خلا من كل شىء.. ولا حتى صوت يمكن أن تقول إنه صوت يتميز عما سواه.. لا شىء من هذا كله.. وقد كان هذا كله هو الذى صنع عبدالحليم وبنى له مكانة فى وجدان الناس.

إن الأغنية إذا خلت من الطرب لم تعد أغنية، ولكنها مجرد كلام يردده صاحبه وهو يتنطط كما نتابع، ثم ينساها فى لحظتها هؤلاء الذين يرددونها وراءه بلا وعى.. وربما يكون علينا أن نذكر الآن وفى كل وقت أن الذين كانوا يقدمون عبدالحليم فى حفلاته العامة، كانوا يقولون إنه «المطرب» عبدالحليم حافظ، ولم يكونوا يقولون إنه المغنى عبدالحليم، ولا بالطبع المؤدى عبدالحليم، ولا أى شىء من هذا النوع.

ففى إمكان أى أحد أن يغنى، وفى مقدور أى صاحب صوت أن يؤدى، ولكن لا يستطيع أى أحد أن يُطرب الناس، ولا أن يخاطب الأُذن فتألفه ويستقر فيها، ولا أن تعتاد صوته فتجد فيها ما يغذى حاسة السمع فلا تنفر منه ولا تنساه.

وإذا قيل إن ما يسمعه الناس والشباب فى المقدمة منهم هو ما يريدونه، فهذا كلام فارغ، لأن الذائقة الطبيعية لا يمكن أن تُقبل على سماع ما لا جمال فيه، ولا قيمة، ولا معنى.. لا يمكن.. وكل ما فى الأمر أن هذه أذواق فاسدة، وأنها لهذا تسمع ما تسمعه مما لا لحن فيه، ولا كلمة، ولا صوت، ولكنه مجرد حركات صوتية، أو لحنية، أو كلامية، لا أكثر.

الغناء فى حقيقته طرب، والطرب صناعة، والصناعة فيه تقوم على الصدق فى اللحن، وفى الأداء، وفى الكلمة، وهذا هو الذى صنع عبدالحليم، وهذا هو الذى أبقاه، وهذا هو الذى جعله إذا أطل صوته فى أى وقت على الناس وجدوا أنفسهم يرددون معه ما يقول تلقائيًا، فكأنهم يستجيبون للفطرة فى أعماقهم.. والأهم أنهم يجدون فى ذلك طربًا، ويجدون أنفسهم وقد نقلهم صوته، ولحنه، وكلماته، من عالمهم الذى يعيشون فيه إلى عالم آخر من خيال.. هذا هو السر، وهو من فرط بساطته ليس سرًّا، ولكنه صدق بالأساس، وإحساس فى الأساس أيضًا، وكلاهما هما اللذان يجعلان من يوم ٣٠ مارس يومًا فى تاريخ الفن الباقى ليس ككل الأيام.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس ككل الأيام ليس ككل الأيام



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon