«نوبل للسلام» يقين وليست وساماً

«نوبل للسلام» يقين وليست وساماً

«نوبل للسلام» يقين وليست وساماً

 لبنان اليوم -

«نوبل للسلام» يقين وليست وساماً

بقلم: سليمان جودة

بدا الرئيس الأميركي دونالد ترمب وهو يبرر تغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب، وكأنه يخاطب جهة بعينها، لعلها تستقبل قرار تغيير الاسم كما يريدها هو أن تستقبله.

بدا كذلك وهو يقول إن تغيير الاسم وراءه رغبة من جانبه في فرض السلام من خلال القوة. هكذا قال، وهكذا أذاعت عنه وكالات الأنباء، ولا بد من أن هذه هي المرة الأولى التي نسمع فيها عن سلام يتم فرضه بالقوة! فمن قبل عرفنا أن السلام في حاجة إلى قوة تحميه، وكان هذا الكلام ينطوي على منطق ويحمل وجهة نظر رشيدة.

وكان مرجع المنطق فيه أن دولتين إذا اتفقتا على سلام بينهما، فإن السلام لا يستمر ولا يدوم في حالة كهذه، إلا إذا أحست كل دولة منهما بأن الأخرى قوية، وبالتالي لا تفكر كلتاهما في خرق السلام القائم. فإذا شعرت إحداهما بأن الأخرى ضعيفة، فإنها لا تتردد في مهاجمتها، وعندها ينهار ما بين الطرفين من سلام، ولهذا قيل عن حق إن السلام في حاجة إلى قوة تحرسه وتحميه.

ولكن أن يتم فرض السلام بالقوة -على حد تعبير ساكن البيت الأبيض- فهذا كلام لا يسنده منطق، ولا يقوم على أساس من عقل، اللهم إلا إذا كان الرئيس ترمب يخاطب به اللجنة المعنية بمنح «جائزة نوبل للسلام» في مقرها بالنرويج.

يخاطبها بعينها، ويتمنى لو فاز بالجائزة التي سيتم الإعلان عنها الشهر المقبل، ولكن يبدو أن الشهر المقبل نفسه سيكون شاهداً على أن الرجل الذي يقيم في البيت الأبيض أراد الجائزة بغير أن يريد السلام، أو حتى يسعى إليه بالقدر الواجب من الجدية.

لا شك في أن لجنة الجائزة لم تكن لتبخل بجائزتها على ترمب، لو أنها وجدت فيه ما يدعو إلى أن يحملها، كما حملها الذين سبقوه في قائمة الفائزين. صحيح أن هذه الجائزة بالذات تشهد تسييساً في منحها منذ فترة، وصحيح أنها قد ذهبت مرات إلى الذين سعوا إلى عكس السلام، وصحيح أن أمامنا الأسماء التي تدل على ذلك وتشهد به، ولكن أن يغير رئيس أقوى دولة في العالم اسم وزارة دفاعه إلى وزارة الحرب، ثم يستمر سعيه إلى الجائزة، ويتواصل حلمه بها، فهذا هو الجديد الذي لا ينطلي على أحد، وهذا هو الذي سيدمغ الجائزة بما هي في غنى عنه بالتأكيد، إذا انطلى على لجنتها ما يقوله ويكرره.

ولا بد من أن اللجنة تجد نفسها في حرج شديد وهي تمنح جائزتها هذه السنة. ولا بد من أن حرجها يرجع إلى شيئين أساسيين: أولهما أن ترمب لا يجد مناسبة منذ دخل مكتبه بداية العام، إلا ويجدد الحديث عن إنه راغب في «نوبل للسلام». والسبب الثاني أن الجائزة تخضع لضغوط بالتأكيد في هذا الاتجاه، والغالب أنها ضغوط فوق طاقتها، وأنها لا تعرف كيف تقاومها، ولا كيف تخرج بوجهها على الناس إذا هي خضعت للضغوط ومنحته الجائزة.

ماذا تقول للناس على امتداد العالم، إذا كان الرجل الذي يتهالك على «نوبل للسلام» لم يقدم أمارة حقيقية على أنه رجل سلام بجِد؟ هل يمكن للويلات التي يعيشها المدنيون في قطاع غزة أن تكون أمارة في هذا المقام؟

إن العالم كله يعرف أن رجلاً واحداً على ظهر الأرض كان في مقدوره وقف الحرب منذ لحظته الأولى في السلطة، ويعرف العالم أن هذا الرجل هو ترمب المتهالك على «نوبل للسلام»، ويعرف العالم أن هذا الرجل لم يشأ أن يكتفي بألا يسعى إلى وقف المقتلة الدائرة في القطاع منذ ما يقرب من السنتين، ولكنه كان في أوقات كثيرة يبدو بما يقوله أو يفعله أنه مشارك فيما يجري، وإذا لم يكن مشاركاً فهو -على الأقل- متواطئ.

والعالم يعرف أن هذا الرجل نفسه كان في إمكانه أن يوقف الحرب الروسية- الأوكرانية التي وعد بوقفها وقت كان مرشحاً في السباق إلى البيت الأبيض، ولكنه انحاز منذ يومه الأول في الحكم إلى الطرف الروسي، وكان يصور الأمر على أن انحيازه طريق إلى الحل، ولكن العكس هو الذي حصل ويحصل، وأصبحت الحرب مرشحة للاشتعال أكثر، وراح الروس يستهدفون الأوكرانيين كما لم يستهدفوهم منذ اشتعال القتال بينهم في 24 فبراير (شباط) 2022.

وفي السودان، استهدفت إدارة ترمب الجيش السوداني بعقوبات، فلم يعد لحديثها عن وقف الحرب معنى، وبدت بعقوباتها وكأنها تضعف من موقف الجيش أمام «قوات الدعم السريع» التي تقاتله، وصارت كل كلمة لهذه الإدارة عن جهدها لوقف القتال وكأنها نكتة.

ومن أرض فلسطين، إلى روسيا وأوكرانيا، إلى السودان، يظهر العمل من جانب ترمب على وقف حروب الجبهات الثلاث بلا رصيد على الأرض. ولا يعرف المرء كيف تكون الحال كذلك، ثم يجد الرجل من الجرأة ما يجعله يطلب «جائزة نوبل للسلام» ويتمسك بالحصول عليها؟

«نوبل للسلام» يقين يعيش في وجدان صاحبه، كما عاش في وجدان السادات إلى أن حققه، وليس وساماً يوضع على الصدر، ولا أمنيات تتغذى على الأحلام، وربما الأوهام.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«نوبل للسلام» يقين وليست وساماً «نوبل للسلام» يقين وليست وساماً



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon