إلى هذا الحد وصلت الأوضاع

إلى هذا الحد وصلت الأوضاع

إلى هذا الحد وصلت الأوضاع

 لبنان اليوم -

إلى هذا الحد وصلت الأوضاع

طلال عوكل
بقلم : طلال عوكل

بعد كل ما مرّ على الفلسطينيين وقضيتهم خلال العقود الثلاثة المنصرمة من صراعات داخلية وحروب، ومخاطر على الحقوق والأرض، وانقسام بغيض وحصار وتجويع، وانهيارات عربية متتالية يبدو أنه لم يعد ثمة ما يستحق ذرف الدموع.

يغادر من يغادر، موتاً أو استشهاداً أو هجرة أو استنكافاً، فإن ذلك لا يستدعي سوى الحد الأدنى من الاهتمام.
يتكيف الفلسطينيون مع كل أنواع المصائب الكبيرة والصغيرة وتتحول الرموز الكبيرة والأحداث الجسام، إلى مجرد كلمات تحتل مساحة محدودة ولفترة قصيرة شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي.

لم يعد بوسع الفلسطينيين أن يحتفلوا كما كانوا يفعلون ولا أن يحزنوا مثلما كانوا يفعلون، ولم تعد تراودهم أحلام أو حتى كوابيس. لكنهم ها هنا قاعدون على صدر الاحتلال ومستوطناته، وجيوشه الحربية والأمنية، ومخططاته الجهنمية.

رتيبة الحياة السياسية والاجتماعية، حتى لا يبقى للمستشرفين أو المحللين ما يفعلونه ذلك أن كل شيء مقروء لكل الناس.
جيل بأكمله، يرحل تباعاً، الواحد تلو الآخر من المؤسسين ومن حفظة التاريخ والذاكرة، ومن أطلقوا الرصاصات الأولى، تمر ذكراهم مرور الكرام، وكأن ثمة من يعمل على مسح الذاكرة الفلسطينية وشطب رموزها وأبطالها ما قد يجعل البعض يعتقد أن ثمة تواطؤا مع الإرهاب الإسرائيلي الأسود وإن كان بحسن نية.

في آخر المجالس الوطنية التي لم نعرف آخر تعداد لدوراتها، كان هناك عدم اهتمام بحضور جميع الفصائل. ليس مهماً من يحضر عددياً كان أو نوعياً الحضور، فالأهم هو توفر النصاب وتوفر القرار.

آخر فصول هذه الطريقة في العمل الوطني، كيفية التعامل مع الاستقالة التي قدمتها الدكتورة حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. نعرف أن الدكتورة حنان لم تستقل بسبب المرض، فلقد شفيت من «كورونا»، ولا بحثاً عن مواقع تستحقها أو تدّعيها ولا هي استقالت من العمل الوطني، أو أنها تهرب من المسؤولية في موقع القيادة الأولى للشعب الفلسطيني.

بخجل، واختصار شديد أصدرت بياناً توضيحياً مؤدباً لأسباب استقالتها، وخلاصته نصيحة قدمتها لإصلاح منظمة التحرير.
كان يمكن أن يأخذ بيانها التفسيري شكل الاحتجاج على ما تعانيه منظومة سلطة القرار الوطني، حتى دون أن تصيب شخصاً بعينه، لكنها آثرت أن تفعل ما يليق بسيدة وطنية محترمة.
الدكتورة عشراوي ليست شخصية وطنية وأكاديمية عادية، فهي سيدة أولاً ومسيحية ثانياً، وأكاديمية ثالثاً، وسياسية مخضرمة رابعاً وناشطة اجتماعية ومؤسساتية خامساً، إنها شخصية وطنية من الوزن الثقيل، ومن النوع الذي لا يجلس في بيته، ولا يتقاعد عن العمل الوطني والاجتماعي.

الاستقالة أعلنت، وما هي إلا أيام محدودة، تخللها اهتمام محدود، حتى غاب اسمها وغابت قضيتها ومشكلتها، وعادت الأوضاع كما كانت وكأن شيئاً لم يقع.
أمر الاهتمام من عدمه لا يتصل بفئة ما أو فصيل ما أو قائد ما، فالكل يتصرف وكأن الأمر لا يعنيه، أو أن حدثاً وقع لا يستحق الاهتمام بالقدر الذي يوازي قيمة الحدث.
في أيام سابقة، كانت استقالة عضو من اللجنة التنفيذية للمنظمة أو حتى من المستويات القيادية الأولى في الفصائل، تشكل حدثاً مهماً يستقطب الإعلام والمراقبين، ذلك أن القائد الوطني يتمتع بمواصفات لا تتوفر لآخرين، أما اليوم فإن القيادة لا تحتاج إلى تلك المواصفات الخاصة، وإنما الحسابات هي التي تعزز القيادات.

علينا أن نعترف بأن انسحاب الدكتورة عشراوي من اللجنة التنفيذية يشكل خسارة كبيرة وطنية وجندرية.
الشعب الفلسطيني فيه آلاف النساء الأكاديميات، ومئات الناشطات في مجالات المجتمع والحقوق والسياسة والاقتصاد، ولكن لا يوجد عشرات من مستوى كفاءة عشراوي حتى يتم الاستغناء عنها بهذه السهولة.

وعلى ذات المستوى من الاستهتار والبلادة يتصرف الجميع إزاء ما يتحقق من نجاحات لشخصيات وطنية عامة، لا تفصل بين حقها الذاتي وبين كونها تنصهر في اسم الوطن، فلسطين.
عصام يونس، مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، والمفوض العام للهيئة الفلسطينية لحقوق الإنسان، وتزامناً مع موقعه أصبح وأصبحت معه الهيئة رئيس الشبكة العربية لحقوق الإنسان.
لا مجال للمرور على دوره ودور المركز والهيئة في الدفاع عن حقوق الإنسان في مختلف المحافل العربية والدولية، ولا مجال للحديث عن إنجازات مركز الميزان، ولكن التكريم الذي حصل عليه مؤخراً من فرنسا وألمانيا، يلخص هذه المسيرة.

الجائزة الفرنسية الألمانية التي حصل عليها باعتباره الشخصية الأهم مساهمة في الدفاع عن حقوق الإنسان، ليست نقدية، لكن مغزاها وأهميتها تفوق كل الأثمان المادية.
كانت هذه الجائزة كأنها رد قوي من قبل دولتين مهمتين، ولهما علاقات قوية مع إسرائيل على الحملات التي شنتها وتشنها الدوائر الإسرائيلية، وامتداداتها في العالم، والتي تحرض على طبيعة عمل الميزان، ومجلس إدارته، وتتهمه بالتحريض على الإرهاب.

لقد حاولت الدوائر الإسرائيلية تحريض بعض الدول المانحة لوقف التمويل المتواضع الذي تقدمه للمركز، وذلك من خلال تشويه سمعته والإساءة لأدائه وأشخاصه، وتلفيق تقارير كاذبة ما يعكس الأهمية والتأثير القوي الذي تلعبه منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية.

كان حرياً بالسلطات المسؤولة، وبالفصائل، ومنظمات المجتمع المدني أن تحتفل وأن تبدي اهتماماً كبيراً بهذه الجائزة، لكونها تقدم شهادة من أطراف دولية، على الأهمية التي يوليها الفلسطينيون لحقوق الإنسان.

ليس ذلك وحسب بل إن وسائل الإعلام الفلسطينية وما أكثرها قد أصيبت بالمرض ذاته، الذي يصيب المستويات الوطنية المسؤولة.
الإبداعات والنجاحات الفردية لعديد الفلسطينيين من الجنسين لا تحصى ولكن ما يغيب عنها هو الدعم ولو عبر احتفاليات بسيطة، وما يغيب عنها هو الرعاية الحقيقية الملموسة، بما يساعد على تطويرها وتحفيز مستحقيها، والآخرون نحو المزيد من الإبداعات والنجاحات.

مثل هذه البلادة لا تليق بشعب فلسطين، وقياداته وفصائله حتى لو كان هؤلاء مشغولين بالقضايا والاستراتيجيات الكبرى.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إلى هذا الحد وصلت الأوضاع إلى هذا الحد وصلت الأوضاع



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon