هنا الكويت هنا بيت الأصالة

هنا الكويت.. هنا بيت الأصالة

هنا الكويت.. هنا بيت الأصالة

 لبنان اليوم -

هنا الكويت هنا بيت الأصالة

طلال عوكل
بقلم : طلال عوكل

إذا كان الموت حقيقة مطلقة، وأن مليارات البشر والأحياء الأخرى قد طواها التراب، ولم يتوقف عندهم الزمن، فإن عشرات الآلاف منهم، قد انتصروا على الموت الجسدي، بما قدموه، فتركوا بصماتهم على صفحات التاريخ. حين يذوب الإنسان في خدمة الإنسانية، أو في وطنية بلاده ومجتمعه، ويعبر عن تطلعاته، فإنه يكون قد ترك بصماته في ذاكرة الملايين.

مات أمير الكويت صباح الأحمد الصباح، صاحب التجربة الطويلة في قيادة دولة الكويت بعد أن أمضى فترة أطول كوزير لخارجية البلاد. لو كان ثمة مجال أو فائدة من الدعاء لكنا تمنينا له عمراً أطول، لكن غيابه في هذه المرحلة الحرجة لا يعني أن إرثه قد رحل معه، فلقد ترك بلداً مستقراً، متوازناً ينعم أهله بالطمأنينة والاستقرار، ويحظى باحترام وتقدير من قبل شعوب كثيرة ومن بينها وربما في مقدمتها الشعب الفلسطيني.

ربما لا يعني الكثير أن يتزامن رحيل أمير الكويت، مع الذكرى الخمسين لرحيل رائد وقائد القومية العربية في القرن العشرين جمال عبد الناصر. لكن خيطاً ما يجمع بين الزعيمين، بل ربما أكثر من خيط، والأهمّ من بين الخطوط، الوفاء للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأولى.

حين يغادرنا الكبار، لا تعود ثمة ضرورة، للبحث في زوايا الذاكرة، أو الاستعانة، بـ»غوغل»، أو بتقليب أوراق التاريخ، لتقديم الوقائع، والمواقف، لتقديم مراسم الوفاء، وللتذكير بمناقبهم. ثم لا ضرورة لإجراء مقارنة، بين هؤلاء الكبار، حتى نعطي الرجال مقاماتهم الحقيقية، حين يكونون فوق الشبهات، وتجاوزوا بأفعالهم وسيرهم الحاجة لمن يذكر بها.

لدولة وشعب وأمراء الكويت أفضال على الشعب الفلسطيني، لا ينكرها، ولا ينكر أهل الكويت أفضال الفلسطينيين الذين ساهموا في نهضة الكويت، وساهموا في تربية أجيال من المتعلمين الذين خدموا ولا يزالون يخدمون بلادهم.

إن كانت الأصالة واحدة من خصائص العرب الأقحاح، فلقد أثبت الكويتيون أنهم عرب، كرماء، يتمتعون بالشهامة والوفاء، وتقديم يد العون للمظلوم.
حين احتلت العراق الكويت، وقع على أهل البلاد ظلم شديد، فلقد عرفوا التشرد، واللجوء، كما عرفه الفلسطيني، وعرفوا القمع والقتل والملاحقة كما عرفه الفلسطيني، وعرفوا الموت، والجوع كما يعرفه الفلسطيني.

حين استعادوا بلادهم وسيادتهم، كان لهم عذر العتب على كل من وقف إلى جانب النظام العراقي آنذاك، وقد كانت منظمة التحرير من بين أولئك، أو هكذا فهم الكويتيون. أكثر من أربعمائة ألف فلسطيني كانوا يقيمون في الكويت، فقدوا وظائفهم وأعمالهم، وتشردوا في أنحاء الأرض.

كان من الممكن أن يترك هذا الجرح العميق، آثاراً بعيدة المدى على الكويتيين، ويخلق الحقد والكراهية، لكن روح التسامح التي تشكل جزءاً من أصالة العرب، سرعان ما أن مسحت تلك الآثار، بمجرد أن اعتذر الرئيس محمود عباس عن ذلك الموقف.

لكأن الكويتيين كانوا ينتظرون ذلك الاعتذار، ويريدون أن تزول تلك الغمّة، حيث بدأت ترتفع الأصوات التي تشيد بدور الفلسطينيين في بناء ونهضة الكويت، وفتحوا المجال لعودة المعلمين، لكي يتابعوا ما بدأه أسلافهم.

لعلّني أستثمر فرصة وفاة الأمير صباح الأحمد، لتقديم العزاء، وإعلان الوفاء لهذا البلد الجميل، الذي لم يغادر مواقع ومواقف وسياسات الدعم للشعب الفلسطيني، والشواهد كثيرة لا مجال لحصرها.

زالت الغمّة، فعاد الكويتيون لمواصلة ما كانوا بدؤوه ودرجوا عليه قبل مأساة احتلال بلادهم، حتى بالنسبة للعراق والعراقيين، وليس فقط الفلسطينيين.
يحسب للكويت أنها، متميزة عن غيرها من مثيلاتها في المنطقة ووفق قياسات نسبية فإنها واحة للديمقراطية، وقد سبقت غيرها من حيث التطور العمراني. الكويت تضجّ بالحياة السياسية منذ وقت مبكر، وفيها تيار قومي، ومعارضة سياسية، يحكم أداءها جميعاً القانون. والكويت تشهد انتخابات تشريعية حقيقية، ويتشكل مجلس الأمة على هذا الأساس وتدور فيه نقاشات حادة وجادة وأمامه أقسم اليمين الشيخ نواف الأحمد خلفاً للراحل صباح الأحمد، ولفترة كانت مدرسة ثالثة للصحافة بعد مصر ولبنان.

حين قام رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم بتحقير الوفد الإسرائيلي في اجتماع نيابي دولي ما أدى إلى خروجه من القاعة، لم يكن يعبر عن موقف شخصي، ولذلك فإنه لم يتلق أي انتقاد لا من مجلس الأمة ولا من الحكومة أو أمير البلاد.

موقف الكويت، اليوم، من انهيارات التطبيع، واضح وصريح، وهو مزعج للولايات المتحدة، ولم يخضع للضغوط الهائلة من إدارة ترامب واللوبي الصهيوني. في العموم، أميركا أيام جورج بوش الأب، شكلت تحالفاً دولياً لتحرير الكويت، ولكن ذلك الموقف «الأخلاقي»، لا يشكل ضغطاً معنوياً على الكويت حين يتعلق الأمر بالالتزام بالقضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين والعرب.

ربما، أيضاً، يتزامن رحيل أمير الكويت مع بدايات ما يعرف بـ»الربيع العربي»، حيث افتتحت تونس، أحداثاً تستمر منذ عشر سنوات، تأكل الأخضر واليابس في طول المنطقة العربية وعرضها.

عديد الدول العربية، لم تخفِ دورها في دعم المعارضات والإرهاب، عبر تزويدها بالأموال، والأسلحة، والتسهيلات اللوجستية، وكل ذلك في سياق أدوار مرسومة من قبل الولايات المتحدة، ولتحقيق أهداف إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط بما يخدم المصالح والأطماع الاستعمارية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وإسرائيل.
الكويت من الدول القليلة التي لم توسخ يدها، وسمعتها، في هذا الصراع المستمر حتى اليوم، فلم يذكر أحد اسم الكويت، أو الكويتيين في الصراع الجاري.

هذه السياسة المتوازنة والواعية والموضوعية جعلت الكويت تواصل بناء ربيعها الخاص، وبما يجنّب الدولة والمجتمع من تسلل فيروس الإرهاب، والانحطاط السياسي كما حال عديد الدول العربية. ربما لا تفي هذه المطالعة، بما تستحقه الكويت، قيادةً وحكومةً وشعباً، وهي تخرج عن إطار مناكفة آخرين، لكنها شيء من الوفاء ودعوة من أجل سلامة البلد وأهلها.
 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هنا الكويت هنا بيت الأصالة هنا الكويت هنا بيت الأصالة



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon