لعلّه درس لكل مستهتر ومغرور

لعلّه درس لكل مستهتر ومغرور

لعلّه درس لكل مستهتر ومغرور

 لبنان اليوم -

لعلّه درس لكل مستهتر ومغرور

طلال عوكل
بقلم : طلال عوكل

تبدو قصة الفنان المصري محمد رمضان، أقرب إلى الاستهتار، وضحالة الثقافة، وسوء تقدير رد الفعل المحتمل من قبل الجماهير المصرية والعربية. يخرج السلوك عن دائرة الصدق وعدم الانتباه، فالواقعة حصلت في مطعم بدولة عربية، اعتقد معها رمضان أن العلاقة الجيدة بين مصر، وبين تلك الدولة، تمنحه الضوء الأخضر للتعامل مع واقع مختلف تماماً عن الواقع الذي يعيشه المجتمع المصري منذ توقيع اتفاقيات «كامب ديفيد».

رمضان المعروف بالغرور والأنانية اعتقد أيضاً، أن نجوميته الطاغية في الفترة الأخيرة يمكن أن تشكل له حماية من النقد وقاده سوء التقدير إلى الاعتراف بأن جمهوره تخلّى عنه، ولم يتنطح للدفاع عنه حين وقع في الفخ.

على غرار الاستهتار والغرور ورداً على من يعتقد من الفنانين أنهم يحسدونه على المكانة التي وصل إليها انتج محمد رمضان عددا من الأغاني منها «مافيا» و»الملك» و»السلطان»، و»نمبر ون» على غرار ما فعله المدرب مورينيو، الذي لم ينجح في أن ينصّب نفسه الأول والوحيد في قائمة مدربي كرة القدم.
لم يسقط تماماً مورينيو، وهو لا يزال يحاول، غير أن رمضان سقط. فالخطأ أو الخطيئة في هذا المجال كالطلقة، التي لا يمكن استعادتها بعد إطلاقها.

واهية وغير مقبولة مبررات رمضان، ولا يشفع له ما فعله، أن يعتمر الكوفية الفلسطينية، وأن ينشر على صفحته صورة العلم الفلسطيني، لكن ما فعله في سياق التبرير، قد يشكل له ولغيره درساً بليغاً، يحتاج لما هو أكثر ولفترة طويلة حتى يستعيد ويعيد بناء هوية الفنان المصري الملتزم بقضايا شعبه وأمته.

بعض الكتّاب والصحافيين الإسرائيليين أبدوا استهتارهم لما تعرض له رمضان، وبعضهم وجه له دعوات استضافة في إسرائيل وبات عليه أن يرد بقوة على هؤلاء، الذين كأنهم يقولون، إن إسرائيل بلد الحرية.

رمضان الذي ظهرت صوره مع فنانين إسرائيليين، وهو مبتسم كان قد واجه انتقادات واسعة وحادة، من قبل قطاع الفن والثقافة المصري، وأيضاً من نشطاء التواصل، الاجتماعي، في مصر قبل سواها من المجتمعات العربية.

يؤشر ذلك على مدى صلابة الجدار الثقافي المصري في مواجهة التطبيع، حيث لم تنجح إسرائيل في اختراق هذا الجدار على مدار الأربعين سنة المنصرمة منذ توقيع اتفاقية «كامب ديفيد». الاتفاقية قد تكون ملزمة للإطار السياسي الرسمي كدولة ولكنها غير ملزمة، ولا هي مقبولة من قبل المجتمع، وقد ظل قطاع الفن الغنائي والتمثيلي في مصر، ينتج أغاني ومسلسلات، وأفلاما مناهضة لإسرائيل ومناهضة للتطبيع.

الإطار الرسمي المصري لا يتدخل في المنتوج الثقافي والفني ولا في الخطاب الإعلامي، الذي لا يزال يتحدث عن الكيان الصهيوني، والعدوانية الإسرائيلية، وحقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية، لكنه يتدخل حين تقع خروقات، بخلاف ما يحصل في دول الخليج على سبيل المثال.

في دول الخليج، وحتى قبل أن يتم التوقيع مؤخراً على اتفاقيات التطبيع، ظهرت بعض الكتابات الصحافية، والآراء المعلنة، وحتى بعض الأعمال الفنية، التي تتنكر للتاريخ العربي والفلسطيني وتتغزل في إسرائيل وسِيَر اليهود وحقوقهم التي يدعون أنها تتعرض للانتهاكات في بعض المجتمعات العربية، لكن السلطات لم تتصد لهؤلاء.

الموضوع له علاقة بطبيعة الأنظمة السياسية، والمساحة المتاحة للحريات، بالإضافة الى غياب الحياة الحزبية والنقابية ومراكز الحماية المجتمعية. والحال في الأردن الذي وقع اتفاقية «وادي عربة» مع إسرائيل العام 1994، يشبه تماماً الحال في مصر، ذلك أن توقيع الاتفاقية، لم يؤد إلى تطبيع مجتمعي أو ثقافي، وظل المجتمع الأردني بكل مكوناته، يلتزم بخطاب سياسي معاد لإسرائيل حتى في الإطار البرلماني.

ثمة اختلاف آخر، وهو أن مصر والأردن، دفعتا أثماناً غالية من الشهداء والجرحى والأسرى، في سياق الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي ولم تختف الأجيال التي شهدت على تلك المعاناة والتضحيات، حتى تنسى، فالأولاد موجودون والأحفاد موجودون، وجبهة الثقافة المصرية والأردنية كانت أمينة على التراث القومي وعلى التاريخ، وعلى الحقوق العربية.

لم تمر ولم تتأخر، الردود الحازمة على صور محمد رمضان مع مشاهير إسرائيليين، ولم تقتصر على مجرد توجيه انتقادات، وإنما وصلت إلى مستوى تهديد المستقبل الفني، إلى جانب وقف مسلسله الرمضاني ووقفه عن العمل، يواجه رمضان دعوى قضائية مقدمة لمحكمة الأمور المستعجلة في القاهرة، بتهمة الإساءة للشعب المصري.

البيانات التي صدرت عن نقابة الفنانين التمثيليين ونقابة الصحافيين المصريين وعن اتحاد النقابات الفنية في مصر، أكدت عمق الالتزام الشعبي المصري برفض التطبيع، مع ما سمته الكيان الصهيوني، باعتباره يشكل إساءة للشعب المصري.

ثمة ما يمكن أن يقال في هذا المجال، وهو أن ما وقع به الفنان محمد رمضان، يقدم درساً عميقاً، على أن إسرائيل لا يمكنها أن تحظى بتطبيع علاقاتها مع العرب، حتى لو أنها نجحت بالألاعيب وبمساعدة أميركا، في إقامة علاقات مع بعض الحكومات العربية.

والدرس ممتد إلى الدول العربية التي طبعت والتي في طريقها للتطبيع بأن الذاكرة التاريخية المجتمعية والثقافية، لا يمكن أن تتسامح مع من يبدي ضعفاً، أمام دولة عنصرية توسعية محتلة لأرض العرب وحقوقهم.

لا يمكن لأصوات ناشزة يضخمها الاحتلال، بأن تخترق جبهة الثقافة العربية، باعتبارها الجدار الأقوى والأكثر رسوخاً في مواجهة المخططات الاستعمارية والصهيونية، تلك الجبهة التي تحاول إسرائيل عبثاً اختراقها أو أن تمنع محمد عساف وأمثاله من الفنانين العرب من أن ترتفع أصواتهم وفنونهم إلى عنان السماء.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لعلّه درس لكل مستهتر ومغرور لعلّه درس لكل مستهتر ومغرور



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon