حتى لا يكون حرج آخر

حتى لا يكون حرج آخر!

حتى لا يكون حرج آخر!

 لبنان اليوم -

حتى لا يكون حرج آخر

بقلم: عبد المنعم سعيد

ما ذاع عن التقرير الخاص بالاقتصاد المصرى الصادر عن صندوق النقد الدولى يشير أولا إلى خلاصة قوامها أن الحالة الاقتصادية المصرية تقدمت خلال الفترة الماضية، وشاهد عليها استقرار سعر الدولار، وزيادة الاحتياطى الوطنى من العملات الصعبة فى البنك المركزى، فضلا عن ارتفاع التدفقات الخارجية نتيجة تحويلات المصريين من الخارج، وارتفاع مستويات التصدير، والسياحة، إلى آخر مستويات القياس لصحة الاقتصاد المصرى. ونضيف إلى ذلك معدل معقول للنمو الاقتصادى (4٪) فى وقت اشتدت فيه رياح وأعاصير الأوضاع «الجيوسياسية» فى منطقة الشرق الأوسط. هذا التحسن العام فى الاقتصاد المصرى يعود به الصندوق إلى قيام الحكومة المصرية بعدد من الإصلاحات الاقتصادية الضرورية. وثانيا أنه رغم هذه الشهادة الإيجابية فإن الصندوق لا يزال متشككا فى قدرة الاقتصاد المصرى على الاستمرار فى هذا الاتجاه الإيجابى نظرا لأن ما تم من إصلاحات اقتصادية لا تزال تحتاج المزيد الذى يتعلق بالإصلاحات الهيكلية والتى تتطلب فك «المزاحمة» العامة من الدولة للقطاع الخاص فى المجالات الاقتصادية المختلفة. هذا الملخص العام لتقرير الصندوق يخل بالحكم على كثير من التفاصيل التى تحذر من العودة إلى حالات من الحرج الذى تكرر أكثر من مرة خلال أكثر من عقد من الزمان تأرجح فيها الحال ما بين التقدم الكبير ثم الاهتزاز الذى ينجم عن الانكشاف أمام عواصف طبيعية (كوفيد- 19) أو عواصف «جيوسياسية» تقلبت ما بين خمس حروب لغزة، وبضع حروب مع ميليشيات المنطقة المختلفة، والإرهاب؛ حتى وصلنا إلى الحرب الإسرائيلية- الأمريكية مع إيران، بما فيها برنامجها النووى.

ما يحسب للدولة المصرية أنها نجحت فى التعامل مع هذه الإشكاليات والمعضلات بحيث تسير فى مسيرة التنمية وتلبية أحلام مصرية قديمة فى الانتقال من «النهر إلى البحر» مستخدمة فى ذلك شبكة كبيرة من الطرق السريعة والسكك الحديدية والكهربائية؛ وبدء ازدواجية الطريق فى قناة السويس؛ وأكثر من ذلك شق نيل جديد من مفيض توشكى إلى البحر المتوسط تتقاطع طرقه مع النيل الخالد.

.. وفى نفس الوقت التعامل مع المخاطر الخارجية بحكمة التعاون مع دول الإصلاح العربية لتحقيق الاستقرار والتعامل مع إقليم ساخن بالحروب الأهلية وانهيارات الدول والتدخلات الإقليمية والدولية، ما جعل الحرج قائما كان مع المنعطفات الحادة التى أثرت بشدة على التوازن فى المدفوعات والتجارة والعبء الثقيل للديون الخارجية التى لم يكن هناك بد منها لاستيفاء الاحتياجات المالية للمشروعات العملاقة التى غيرت وجه المحروسة.

سد الفجوة ما بين الموارد والاحتياجات لا يكون دون الاستجابة لما قالت به كافة الحوارات الاقتصادية المصرية ورأى الصندوق وهو الاستخدام الأمثل للقطاع الخاص وفتح الأبواب أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية. المدهش من ناحية أن مصر استيقظت فجأة على مواقع ذهبية على سواحلها مثل رأس الحكمة ورأس شقير سرعان ما تكالبت عليها الاستثمارات الأجنبية وبعدها مباشرة وبجوارها الاستثمارات المصرية. الإشكالية فى هذا الموضوع أننا نسير فيه بالقطعة التى تظهر فى أعقاب الأزمات وتراجع سعر الجنيه المصرى مقابل الدولار، بينما أن سواحل مصر ممتلئة بمثل هذه الإمكانيات والفرص والأحلام الذهبية. ولقد سبق لكاتب المقال التأكيد على أمرين للتغلب على الحرج من قبل أن يأتى من خلال أولا فتح الباب للاستثمارات الأجنبية والمحلية على مصراعيه والاكتفاء بمد البنية الأساسية اللازمة مقابل الحصول على ضرائب الدخل والأرباح والخدمات التى ترتبط بكل مشروع. وثانيا ما سميته «تشغيل التغيير» وهو ما يعنى الاستغلال التجارى لكل ما قامت به الدول من مدن وموانئ ومطارات وطرق من خلال شركات محترفة فى التسويق والاستثمار. وثالثا الاستفادة من التجربة البريطانية التى قدمتها مارجريت تاتشر والتى قامت على ما يسمونه «الشركات العامة»، وهى غير شركات قطاع الأعمال العام التى تملكها الحكومة، وإنما يملكها مواطنون يشترون أسهمها ويكون فيها مخزون أموالهم. وليس من الضرورى أن يكون مصدر الشركات المساهمة «خصخصة» شركات القطاع العام المثقلة بالديون والأثقال الاجتماعية، وإنما إنشاء شركات مساهمة لاستغلال الثروات الطبيعية للبحيرات التى أنقذتها الدولة من الضياع وعادت إلى حيويتها التى كادت العشوائيات تقتلها، ولكنها بعد ذلك بقيت عذراء تنتظر مصيرا غير منظور. ما يصدق على البحيرات يصدق على الجزر المصرية فى البحر الأحمر إذا ما امتد البصر والبصيرة إلى الجانب الآخر من البحر والنظر إلى ما تفعله السعودية بها على الشاطئ الآخر.

لقد سبق لنا التأكيد على ذلك فى أكثر من مقام، ولكن جوهره هو أن مصر بلد غنية، وأن حرجنا يأتى من التردد فى استغلال ثرواتها كما يحدث فى بلاد أخرى ضاعفت من ناتجها المحلى الإجمالى فى فترات قصيرة، ولمن لا يصدق فعليه أن يراقب تجربة فيتنام.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حتى لا يكون حرج آخر حتى لا يكون حرج آخر



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon