تأملات فى الحرب والسلام

تأملات فى الحرب والسلام!

تأملات فى الحرب والسلام!

 لبنان اليوم -

تأملات فى الحرب والسلام

بقلم: عبد المنعم سعيد

كان التصور فى هذه المرة أن الحرب تجرى بعيدا عنا، وفى مجرة مختلفة عما اعتدنا عليه فى الشرق الأوسط، وفى مدار تاريخ عاشته القارة الأوروبية حيث ستبقى الحربان العالميتان الأولى والثانية هما اللتان تظللان حاضرها.التعبير الذائع فى الصحافة الأوروبية والغربية فى العموم هو «معركة الدونباس»، حيث تجمعت القوات الروسية لكى تقوم بهجوم شامل على إقليم فى شرق أوكرانيا. الصور كلها، بما فيها من منشآت مهدمة مكسية بالدخان والنار، وجثث جماعية ومنفردة منتشرة، وحضارة توقفت عن الإرسال بعد طغيان أسباب تاريخية وجغرافية واختلال توازنات عسكرية، وغموض قاتل فيما يقود إليه كل ذلك.

بشكل ما بدا أننا نجونا من ذلك كله، وحتى ما جاء من تبعات ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والغلاء الكونى بدا بالنسبة لنا ليس إلا قضية مالية وليس حياة أو موتا. الواقع فى منطقتنا كان يتحسن بأشكال مختلفة عما كان عليه الحال فى العقد الماضى عندما اشتدت أوزار الحروب الأهلية، ووصل التدخل العسكرى الإقليمى إلى حدود قصوى.

وخلال العام الماضى والشهور الأولى من العام الحالى فإن حالة من الهدوء النسبى جاءت، وتكررت الحوارات بين دول عربية وبعضها البعض، وبينها وبين الدول الإقليمية فى إيران وتركيا وإسرائيل. عاد السفراء أو سيعودون قريبا، وبات ممكنا تحقيق هدنة فى اليمن، ومعها امتدت خطوط متعددة للتعاون الاقتصادى فى شرق البحر المتوسط وفى صحراء النقب.

باختصار بات الحديث ممكنا عن «إقليمية جديدة» فى المنطقة، وحتى عن «الشرق الأوسط الجديد» الذى لا يصنعه شيمون بيريز، وإنما إرادة دول وجدت أن تكلفة الصراع باتت عالية للغاية، وأن فرصا للسلام أصبحت متاحة، خاصة وقد أصبح الإقليم كله مسؤولا عن نفسه بعد «الخروج» الأمريكى من الشرق الأوسط، وانشغال العالم كله بالحرب فى أوروبا، مضافا لذلك أن هناك إمكانية لعقد الاتفاق النووى الإيرانى الأمريكى.

هذه «اللحظة الجديدة» معرضة لتهديدات برزت فجأة من عمليات إرهابية «داعشية» تعددت فى مناطق إسرائيلية مختلفة. وفجأة أيضا بدأت منظمات إسرائيلية متطرفة وإرهابية تهدد الأوضاع القائمة والمتعارف عليها فى الأماكن المقدسة فى القدس وفى المقدمة منها المسجد الأقصى.

ومع تحركاتها استيقظت كل الأوضاع المقدسية التى أدت من قبل إلى «حرب غزة الرابعة» بانطلاق صاروخ من غزة يعقبه هجوم كاسح بالطيران من إسرائيل على القطاع المنكوب الذى لاتزال الجهود المصرية لإعادة بنائه من تدمير حرب مايو الماضية فى أدوارها الأولى.

السؤال هو: هل حدثت هذه التحركات العنيفة خوفا على القضية الفلسطينية من النسيان فى أجواء السلام والتطبيع والتعاون، أم أن هناك محركات لها تأتى من بقاء إيران خارج الجهود الجارية للتهدئة فى المنطقة، أم أن طهران تريد التأثير فى مسار المفاوضات النووية الجارية.

وأكثر من ذلك وجود حرب فعلية بينها وبين إسرائيل تجرى بأشكال مباشرة فى الأجواء السورية، وغير مباشرة بين إسرائيل وحزب الله فى لبنان؟، المعضلة الكبرى هنا أن يقظة القضية الفلسطينية ووجودها على مائدة الجهود الإقليمية الجارية لن يعنى حل القضية ليس فقط لانقسام الفلسطينيين بين فتح وحماس وحكومة فى رام الله وأخرى فى غزة، وإنما أكثر من ذلك أن الحل سوف يعنى انهيار الحكومة الإسرائيلية الحالية إن لم تكن قد انهارت ساعة نشر هذا المقال. هل يمكن حل أى قضية إذا كان أطرافها على هذا الوهن والضعف فى إرادة القرار السياسى فيما يخصهم ويخص غيرهم؟.

الحالة الحاضرة تعيدنا إلى التاريخ، وبعضنا يؤرخ للصراع العربى- الإسرائيلى بسبعة عقود منذ نكبة فلسطين، والبعض الآخر يعود به إلى ما هو أكثر من قرن، والبعض الثالث يرجعه إلى ما قبل ذلك. ويمتد الخلاف من الماضى إلى المستقبل، فلا أحد يعرف على وجه اليقين متى ينتهى الصراع، وهناك من يراه قريبا من التسوية، وآخرون ينظرون له على أنه من «حقائق» الشرق الأوسط الثابتة، وجماعة تؤكد أنه مستمر حتى يوم الدين.

هو صراع وجود، وصراع حدود، وهو سبب البلوى وسبب الشقاء، ومصدر الاستعمار والإمبريالية والتخلف والديكتاتورية، وفتش ما شئت فى كتب العرب وسوف تجد أمورا كثيرة معلقة فى انتظار الصراع بالتسوية أو بالنصر أو بصورة ما لا نعرف لها أصلا ولا فصلا. وذات يوم كتبت أن هناك أسبابا كثيرة لكى يكره العرب إسرائيل، ولكن واحدا منها أراه مهما للغاية، فلا يفتح موضوعا أو قضية فى دنيا العرب إلا وكانت إسرائيل طرفا فى النقاش بشكل أو آخر حتى بات مستحيلا فحص موضوع بنزاهة.

وبالنسبة لى فقد شاركت فى الحرب ضد إسرائيل، وكانت البداية بالسياسة والمظاهرات منذ أن كنت طفلا فى المدرسة، نخرج لنصرة أهلنا فى فلسطين والجزائر، وحتى وصلت إلى الجامعة حيث عشت «نكسة» ١٩٦٧، فخرجت مطالبا بالحرب حينما كان طلبة العالم كله يطالبون بالحب.

وبعد أن تطوعت فى الدفاع المدنى وحماية الجبهة الداخلية كنت من بين من تم تجنيدهم فى القوات المسلحة حتى وصلت إلى رتبة رقيب استطلاع فى وحدة مقاتلة من الصواريخ المضادة للدبابات. وشاركت فى حرب ١٩٧٣ ونجحت وحدتى فى تدمير ٥٤ وحدة مدرعة للعدو كان من بينها ٤٠ دبابة، وانتهت الحرب وعدت إلى الحياة المدنية لكى أؤيد السادات فى عقد السلام مع إسرائيل، ومن بعده شاركت فى كل حركات وتجمعات العمل من أجل السلام أو التسوية سمها ما شئت.

ومن الناحية المهنية كان الصراع موضوعا مهما للكتابة والدراسة لفهم الصراع، ومعرفة العرب، والإسرائيليين، والشرق الأوسط، وربما العالم كله. وباختصار عاش جيلنا كله فى الصراع حربا وسلاما وانتقاما وتعايشا، وأصبح السؤال الذى لا يكف عن الإلحاح على عقولنا هو: هل سنودع الحياة قبل أن يصل «الصراع» إلى نهاية، وهل ستجد «القضية» حلا فى المستقبل المنظور على ضوء كل ما سبق؟.

ما يهم الآن هو مصر، والدول العربية الأخرى التى تسعى بجدية إلى السلام فى الخارج الذى يعنى الإقليم المباشر الذى نعيش فيه، والإصلاح فى الداخل من أجل ارتفاع مستوى المعيشة واللحاق بالعالم المتقدم، وكلاهما يشكل متلازمة واحدة. الأمر على هذا النحو يتطلب تفكيرا جديدا معبرا عن عالم جديد وأجيال جديدة لا ينبغى لها أن تعيش مرارة عيش أجيال سابقة.

ربما يكون لدينا عزاء أن الحرب الأوكرانية تعنى أن البلاء فى العالم أوسع مما هو جار لدينا، وأن أحلام السلام والتسوية ووقف إطلاق النار والمفاوضات المتقطعة ليست أمورا شرق أوسطية خالصة. لكن ذلك ليس كافيا بالمرة لأن الحالة الإقليمية تعطى الأمل فى مشروع كبير سلمى ينسجم مع مشاريع الإصلاح الداخلية وما فيها من توجهات تقدمية واجهت خلال السنوات الماضية الكثير من أمراض التعصب والتطرف والإرهاب حتى يستتب الأمر ويقوم الميزان. هل يحتاج الأمر إلى جبهة للتفكير موازية للجبهة السياسية الحاضرة؟.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تأملات فى الحرب والسلام تأملات فى الحرب والسلام



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon