دفاتر الحيرة القومية

دفاتر الحيرة القومية

دفاتر الحيرة القومية

 لبنان اليوم -

دفاتر الحيرة القومية

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

جيلنا شهد العجب، فى الطفولة لم نفهم كثيرًا ما حدث فى «نكبة» فلسطين، ولم تكن فقط ما جرى للشعب الفلسطينى من خروج ولجوء، وإنما كيف نحل لغز هزيمة سبع دول عربية أمام دولة واحدة «زعومة».

كانت هناك تفسيرات كثيرة جميعنا قبلناها حول دور الاستعمار والإمبريالية؛ ولكننا لم نفهم أبدًا لماذا لا يتوحد العرب أو يقبلون الوحدة والقومية العربية. وعندما قامت الجمهورية العربية المتحدة تصورناها البداية، لكن النهاية جاءت بسرعة؛ وفى الاحتفال بعيد الثورة كنا مع الرئيس عبدالناصر عندما قال إنه يعز عليه أن يكون العيد هنا- فى القاهرة- والحزن فى دمشق.

لم نكن نعلم أنه بعد ستة عقود لن تكون لدينا معرفة بما يحدث فى الشام كله بمكوناته الفلسطينية واللبنانية والسورية؛ ولم تكن الكارثة فقط أن الدولة الفلسطينية لم تقم، وإنما ما تبقى من كيانها السياسى بات كما هو الحال الذى نراه فى الضفة الغربية وقطاع غزة وفى الأولى سلطة وطنية، وفى الثانية حماس. ولكننا على الأقل نعرف ما يحدث من صلافة وبربرية إسرائيلية، ولكننا لا نعرف حقًّا ما الذى يحدث فى سوريا، بعد أن تعدى الضحايا فيها، منذ نشوب «الربيع» المأسوف عليه، ٦٠٠ ألف نسمة، أما النازحون خارج وداخل البلاد فقد بات العدد بالملايين.

وفى لبنان فإن الحيرة تأخذ مأخذها، ففيها كل المؤسسات موجودة، رئاسة وبرلمان وحكومة، ومع ذلك فإن «الثلث المعطل» لحزب الله لا يقيم رئاسة، ويجعل الحكومة بالإنابة، والبرلمان لاستقبال الضيوف. العراق، الذى كان يسعى لوحدة الأمة من الخليج إلى المحيط، دخل حربًا مع إيران لثمانى سنوات، وبعدها غزا الكويت، وبعد تحررها غزا الأمريكيون العراق، وبعد خروجهم منها بات وضعها غريبًا، حيث إن قوات الحشد الشعبى تتخذ قرارات الحرب والسلام للدولة العراقية كلها بتعليمات من طهران وليس من الجيش العراقى.

الحالة السودانية مؤلمة ومحيرة معًا، القدماء كانوا يعرفون ألم لحظة استقلال السودان عن مصر، ولكنه كان حق تقرير المصير؛ وبعد عقود، تناوب فيها الانقلاب والثورة على الدولة الشقيقة، سلموا بسهولة بانفصال الجنوب.

الشمال القريب منّا دخل «الربيع» متأخرًا، ولكن نتيجته كانت معادلة لها صياغة انقسام بين المكون المدنى والآخر العسكرى؛ المدنى انقسم ما بين اليمين واليسار، وفى كل جناح هناك مذاهب، ولا يوجد مشروع؛ والعسكرى انقسم مؤخرًا ما بين الوطنى والدعم السريع، واشتعل الموقف فى دارفور وكردفان، وخرج تسعة ملايين سودانى من منازلهم؛ وكما انهارت البنية السياسية للدولة انهار سد أربعات لكى تُغرق المياه الأنحاء كلها. فى ليبيا الحال أفضل، وبعد مغامرة على أسوار العاصمة، وانحسار الصدام حتى خط «سيرت الجفرة»، فإن المدافع توقفت، ولكن التقسيم واقع، وتسبب فى إعياء كافة الرسل ووسطاء الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى.

الأمثلة كثيرة بعد ذلك عن دول تقف على الحافة، ولكن اليقين أتى لكى يكون الرشد ممكنًا، وكانت جرعته الكبيرة فى مصر لأن «الدولة الوطنية» كانت عميقة الجذور، لا مناصفة فيها ولا مداولة. المحاولات كانت مستمرة، مستخدمة الدافع الدينى، الذى جرى كالنار فى هشيم الدول الأخرى لكى يكسرها بين الحلال والحرام تارة، ويُخسرها ما بين البناء والمقاومة والممانعة تارة أخرى.

اليسار المنقسم ما بين الليبرالية والاشتراكية يقف أمام البناء المصرى من زاوية «فقه الأولويات» التى لا يقررها؛ وإذا قررها فإنه لا يعرف كيف يميز فيها ما بين الحق والباطل؛ وكما يُقال عن الساحل الشمالى بين الطيب والشرير!.

الأوقات صعبة بالطبع، وتجاوزها ممكن لأن الأصول زادت، والفرص موجودة، ولكنها تحتاج أن تكون أشد سلاسة وأعمق وضوحًا. أيًّا ما كان الموقف، فإن مصر تبقى واحة ثابتة ثبوت أشجار النخيل فى صحراء واسعة من الرمال المتحركة.

المشهد خلال الأسابيع الماضية كان يُزلزل المنطقة بأسرها، اليمن التى باتت تدور فى أفلاك ثلاث حكومات، من بينها ميليشيا الحوثيين، باتت مسيرتها القومية أن تغلق طريق التجارة الدولية من القرن الإفريقى إلى قناة السويس، وعملية اغتيال فى طهران جلبت حاملات الطائرات والغواصات النووية الأمريكية وتوابعها الأوروبية؛ وأخرى أتت بزعيم حزب الله إلى التلفزيون فى خطاب ثورى، بينما شعب غزة يدفع ثمنًا فادحًا.

فى المشهد تظهر البطولة المصرية فى السعى إلى خروج من المأزق؛ ولكن الخروج من الحيرة يحتاج تجمعًا لأهل الخير والرشد والنضج، بناة الدولة الوطنية فى قلب إقليم بات لا يعرف إلا التفتيت والتفكيك ووضع مصائر الشعوب وقرارات الحرب والسلام فى يد جماعات مسلحة لا تعرف أبدًا ماذا سوف يكون عليه الحال عندما تنتهى المباراة!.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دفاتر الحيرة القومية دفاتر الحيرة القومية



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon