شاهد على مصر والقضية الفلسطينية ٣

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (٣)

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (٣)

 لبنان اليوم -

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية ٣

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

كانت «النكسة» نوبة صحيان أصيلة حول المسارات التى ذهبت فيها مصر منذ منتصف الخمسينيات فى داخلها وإقليمها وعالمها؛ ومن بعدها بدأت عملية تصحيحية مع زعيمها جمال عبد الناصر ولكنها تأصلت على نطاق واسع مع الرئيس أنور السادات.

تواضعت الفكرة العروبية فانسحبت مصر من اليمن؛ وجرى تسليم القضية الفلسطينية لأصحابها الفلسطينيين فى منظمة التحرير الفلسطينية، وعاد اسم مصر لها من الجمهورية العربية المتحدة إلى جمهورية مصر العربية. لم تعد مصر مشروعا عربيا للوحدة تتعدد نجماته الخضراء بعدد الدول المخلصة للوحدة والعروبة. باتت مصر دولة عربية مع ٢١ دولة أخرى؛ وبات هدفها إزالة آثار العدوان على مصر وتحقيق الانسحاب الإسرائيلى من سيناء.

كانت استراتيجية «الحرب المحدودة» التى بدأت مع الاشتباك فى رأس العش، إلى ما صار بعد ذلك حربا للاستنزاف كافية لإيقاظ النظام الدولى، واسترداد العزيمة المصرية متوقدة وساخنة وأحيانا ازدادت سخونتها فى الدعوة الفورية للقتال فى مظاهرات الطلبة فى فبراير ١٩٦٨ التى كان وقودها طلبة منظمة الشباب. العلاقة مع «القضية المركزية» باتت المساندة بكل الوسائل السياسية والدبلوماسية والإعلامية؛ وتحمل المحاضرات التى يعطيها المناضلون الفلسطينيون من تنظيمات مختلفة للمسؤولين المصريين، ومعهم أمثالنا من الطلبة، أن إسرائيل تهديد رئيسى للأمن القومى المصرى!.

كان ذلك ما تعرفه مصر جيدا ولكن على الطريقة المصرية التى تعود إلى شعب له سماته المميزة عن الآخرين، ولديه رحابة من المصالح والتناقضات مع إسرائيل أعمق من حلها من خلال ميكروفونات الإذاعة. «حرب الاستنزاف» وضعت حدودها فى الانتصار عندما بدأت إسرائيل تشن غاراتها على الداخل المصرى، وعندما أنتجت مبادرة روجرز قبل عبد الناصر، واستمر السادات بعد ذلك على خطاه. وعندما تولى السلطة بدأ الإعداد لرباط أوسع ما بين السلاح والسياسة؛ وما بين الاستراتيجية قبلها للإعداد لمعركة كبرى، وما بعدها حيث يمكن استثمار ما جاء به السلاح.

تجديد وقف القتال الذى بدا كما لو كان إلى الأبد، وتسبب مرة أخرى فى مظاهرات الطلبة فى عام ١٩٧٢، أعطى المزيد من الفرصة للاستعداد العسكرى، وتعميق شبكات المخابرات والمعلومات، وخلق انطباعا عن مصر يخرجها من الجماعات العربية (والمصرية أيضا) ذات الحناجر العالية والتى أدخلت مصر إلى نطاق لعناتها. فيما بعد عندما نشر هنرى كيسنجر مذكراته الأولى جاء فيها أن أول ما لفت نظره بعد أن عرف بنشوب حرب أكتوبر أن تقريرا جاء له قائلا إن تغطية الإذاعة والصحف المصرية للحدث كانت مختلفة تماما وفيها الكثير من الحكمة والتواضع.

كان أكثر ما وظفته مصر فى حربها الكبرى هو قدرتها على الصبر، والتحكم فى الأعصاب والكلمات. فى الواقع أن واحدا من عشرات الأسباب لنصرنا كان الفشل الإسرائيلى فى التعلم من حرب الاستنزاف التى كان ممكنا لها أن تبصر بالتغيرات التى اعترت المقاتل والسلاح المصرى. كان التصور هو أن العمليات العسكرية ما هى إلا لإلهاء الجماهير، وإعطائها جرعات إضافية من الانفعال الذى لا يسفر عنه شىء فيما بعد.

وعندما حدثت «المفاجأة الاستراتيجية» كان واحدا من أسبابها أن مصر ظهرت عازفة عن القتال عندما اقترح الرئيس السادات فتح قناة السويس وإعادتها إلى العمل والتجارة الدولية. كانت مصر تعمل وهى تعرف أنها تصيب عصفورين بحجر واحد، ووفقا لتقرير لجهاز المخابرات المركزية الأمريكية بعد الحرب فإن وقوعها فى أسر المفاجأة كان بسبب أنها اتبعت تماما ما قاله لها جهاز المخابرات الإسرائيلى.

وما بات مهما بعد الحرب ليس أن يطرق الحديد وهو ساخن، وإنما فى القدرة المصرية على الإمساك بخيوط الفرص مع القوى الدولية المختلفة وتشجيعها على الاستمرار فى طريق تحقيق الهدف المصرى. وفى كل مرة وقعت فيها مصر على اتفاقية فصل القوات فى سيناء، فإن القوى الأيديولوجية «الحنجورية» راحت تؤكد أن ذلك هو نهاية المطاف، وأن الحدود الإسرائيلية أصبحت فى المرة الأولى بعد قناة السويس، وفى المرة الثانية عند خط المضايق فى سيناء.

وعندما بدا أن العالم يمكنه أن يذهب إلى مسارات أخرى، وذهب الرئيسان الأمريكيان نيكسون وفورد من بعده، جاء كارتر، فإن اقتراح الأخير لعقد مؤتمر دولى كان يعنى وضع قضية الأرض المصرية فى يد حقوق اعتراض «فيتو» فى يد الاتحاد السوفيتى وجميع القوى العربية التى تحارب بحناجرهم أكثر من عقولهم وسواعدهم. كان معلوما لدى الرئيس السادات أنه فى القضايا الكبرى إذا ما تركت «القضية»- وهى فى هذه الحالة الأرض المصرية المحتلة- فى يد آخرين فإنها تغيب فى غياهب النسيان.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية ٣ شاهد على مصر والقضية الفلسطينية ٣



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon