بقلم - د. شهاب المكاحله
بعد كلمته التي شنفت آذاننا والتي تسببت بجرح كبير نازف أدمى قلوبنا قالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب علانية ودونما تردد “القدس عاصمة لإسرائيل”. لعل خطابه يذهب من به صمم ولا يزال يصر على أنه لا بد من العقلانية والصبر والحكمة والتروي وإعطاء السلام فرصة أخيرة. يبدو أنه بعد القضاء على “داعش” وأخواتها في سوريا والعراق مع فشل إسرائيل في نقل المعركة إلى شمال العراق الكردي أو إلى الجنوب السوري لاستنزاف الجيشين العراقي والسوري بتنا اليوم على وشك إعطاء الدواعش تنفساً صناعياً أو جرعة منشطة للديمومة سنوات في عمليات ستطال كل دول الشرق الأوسط ومنها الخليجية.
العرب المنفتحون على الإدارة الأميركية الحالية يعرفون أنهم يتعاملون مع إدارة ليس لها ألف باء المعلومة عن الصراع العربي الإسرائيلي ولا الإسرائيلي الفلسطيني لأن كثيراً من طاقم الحكومة الأميركية الحالية ميالون لدعم دولة إسرائيل في كل ما تفلعه وأن هذا القرار ما هو سوى بالون اختبار لما هو أكبر قادم قد يعني تطبيعاً عربياً على مستوى الحكومات مع تل أبيب رغم أنف الشعوب ودون أي تنازل مع الجانب الإسرائيلي.
في الماضي القريب كان الحديث عن “صفقة القرن” وهي في هذا المقام ليست فلسطين بل إيران لأنها هي الدولة التي تتمحور حولها كل القرارات الهامة وبات تركيز العرب على كيفية هزيمة الفرس ونسينا أننا يمكن أن ندير المعركة مع أكثر من عدو في آن معاً وعلى أكثر من جبهة. من الواضح أن إعلان ترامب يعني ضمناً دولة للفلسطينيين بحكمذاتي لا تكون القدس الشرقية عاصمة لها. فقد استفاد ترامب من التطبيع السري للعلاقات بين تل أبيب وبعض الدول العربية وتموضعها في خندق واحد ضد إيران.
نعم انتهت عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية بلا رجعة بعد أن أطلق ترامب رصاصة الرحمة على تلك العملية بإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس. إنه قرار غريب. والسؤال هو كيف سيتعامل الزعماء العرب مع رئيس اتخذ هذا القرار؟ ماذا سيقدم الحكام العرب؟ وماذا ستقدم الشعوب العربية؟ إن ما جرى هو مكافأة لإسرائيل وتشجيع لها لممارسة التطهير العرقي ما يجر المنطقة إلى حرب إقليمية دينية تأكل الأخضر واليابس ولا تبقي ولا تذر.
نحن العرب الآن امام حالة غضب واستنفار شديدين شعبياً. إذا ما هبت المظاهرت قريباً سيكون الأمر في حالة عدم استقرار لأعوام تخلق في ثناياها دواعش العصر من نوع جديد يفتح الباب على مصراعيه أمام الجهاد الراديكالي. إن هذا الإعلان هو بمثابة سحب بساط من تحت عواصم عربية تباهت يوماً بأنها “زعيمة المنطقة” وشخصت الأنظار نحو المد الفارسي وتناسينا المد الصهيوني وتلاعبه بنا كعرب ومسلمين.
نعم لا يمكن ان يكون هناك محادثات مع الأميركيين فقد انتهت عملية السلام. وقد استبق إعلان ترامب أية عملية مقبلة. لا توجد مسألة أكثر حساسية من قضية القدس. ولذلك، فإذا ما أرادت واشنطن الإبقاء على إمكانية تحقيق “اتفاق نهائي”، فعليهاتجميد هذا القرار إلى إشعار آخر لحين التسوية النهائية للقضية الفلسطينية التي كان من المقرر أن تتم في العام 2005.
نعلم أن ترامب قد وعد خلال حملته الانتخابية باتخاذ موقفا بشأن الرابط اليهودي بالقدس. ومثله كباقي الرؤساء الأميركيين ممن سبقوه، أعلن أيضاً أنه سينقل السفارة الأمريكية إلى القدس في محاولة منه لإثبات اختلافه عن الرؤساء السابقين. إن هذين الإعلانين سيضعفان آماله بالتوصل إلى اتفاقية سلام بدلاً من الحفاظ على آمال الدولتين: الفلسطينية والإسرائيلية يكون للقدس فصلها الأخير عن طريق المفاوضات المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب (بما فيها الأردن، الوصي على الأماكن المقدسة).
إن هذين الإعلانين يعنيان انتهاء الحديث عن حق العودة وقضية اللاجئين مع عدم الاعتراف حتى باتفاق أوسلو نفسه الذي تم التوقيع على بنوده في البيت الأبيض. وبما أن الأمور ستيعود إلى مربعها الأول فإن المزيد من الانتفاضات ستعم الأراضي المحتلة وغيرها من العواصم العربية ما يعني تغلغل المزيد من الراديكاليين والمتشددين في صفوفهم والعمل على تنفيد عمليات تطال المصالح الأميركية والإسرائيلية في كل مكان في الشرق الأوسط. هل ينتهي دور ترامب بهذا الإعلان سياسياً أم يتم اغتياله؟