بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
للتوافق الوطنى على مقومات وركائز الدولة والمجتمع أهمية مركزية فى أى ممارسة يُراد لها أن تكون ديمقراطية لسببين. الأول أن هذا التوافق يتحقق عبر حوار وطنى جاد لا يمكن أن يستمر ويثمر دون التزام أطرافه بالديمقراطية. فالسعى إلى بناء توافق وطنى ليس سهلاً، بل ربما يجوز القول إنه أصعب حلقة من حلقات التطور نحو الديمقراطية لأنه يتطلب استعدادًا لتقديم تنازلات متبادلة بين من قد يعتبر كل منهم أن ما لديه خيرُ مما عند غيره. وقد يكون بينهم من قد يظن أن الحقيقة المطلقة طوع يديه.
والحال أن الحوار الوطنى على هذا النحو تعبير مهم عن فحوى الديمقراطية باعتبارها مزيجًا فريدًا من الحرية والمسئولية. فلكل من يشارك فيه الحرية فى طرح ما يراه ويسعى إليه. ولكن عليه أيضًا أن يتحلى بالمسئولية الوطنية وإدراك المصلحة العامة والاستعداد لوضعها فوق المصالح الخاصة والحزبية والأيديولوجية.
أما السبب الثانى فهو أن أى ممارسة ديمقراطية تفتقر إلى التوافق الوطنى تكون صعبة المنال أو قابلة للتعثر أو الانتكاس. فالديمقراطية لا تُمارس فى الهواء، بل على أرض محددة. وإذا لم تكن هذه الأرض ثابتة بمقوماتها وركائزها ففد تميد بمن يقف عليها، مثلها فى ذلك مثل المبنى الذى يرتفع دون أساس كاف ينهض عليه.
وأخطر ما يواجه أى تطور نحو الديمقراطية أو ممارسة لها أن يظن البعض أنها تنافس منفلت من أى قواعد أو معايير، وأنه يحدث بمنأى عن إطار ينظمه ويحدد ما هو ثابت وما هو متغير. فالممارسة الديمقراطية التى لا يتوافق أطرافها على قواسم تجمعهم ومقومات وركائز تلزمهم ربما تضع كلاً منهم فى مواجهة الآخر، وتُقوَّض الجامع الوطنى الذى يتعين أن يجمعهم مهما يكن الاختلاف بينهم.
والديمقراطية بهذا المعنى ليست غاية فى ذاتها، وإنما وسيلة للارتقاء بالوطن الذى يجمع من يمارسونها بكل ما بينهم من اتفاق واختلاف. فلا فائدة تُرجى من أن نكسب ما قد نظن أنها ديمقراطية ونخسر الوطن، فلا نجنى إلا قبض الريح.