دورة الرتابة والحيوية

دورة الرتابة والحيوية

دورة الرتابة والحيوية

 لبنان اليوم -

دورة الرتابة والحيوية

بقلم:عمرو الشوبكي

فى تاريخ النظم الديمقراطية المعاصرة، هناك فترات رتابة يحدث فيها تنافس وتداول للسلطة، ولكن بين أحزاب وقوى سياسية متقاربة فى الممارسة السياسية، حتى لو اختلفت فى منطلقاتها الفكرية والسياسية.

وقد حدث ذلك مع ثنائية اليمين واليسار التى ظلت محور الجدل والاستقطاب فى أوروبا لعقود طويلة، وشهدت تنافسا حقيقيا وتداولا سلميا للسلطة، حتى وصل اليسار الاشتراكى الديمقراطى إلى الحكم وأصبح يطبق سياسات وصفها أنصاره بأنها «يمينية»، وبدأ الناخبون يشعرون بأنه لا فرق بين اليسار واليمين.

فمثلا تجربة وصول اليسار إلى الحكم فى فرنسا عام ١٩٨١، بزعامة الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، وبمشاركة الشيوعيين، كانت حدثا تاريخيا، وكانت نتاجا لسنوات من الاستقطاب والتنافس بين اليسار واليمين الديجولى.

ولكن بعد سنوات من حكم اليسار وتراجعه عن كثير من الجوانب الاشتراكية فى برنامجه السياسى والانتخابى واقترابه من يمين الوسط، انتقل النظام الديمقراطى من الحيوية إلى الرتابة، بعد أن أصبحنا نحتاج إلى عدسات مكبرة لمعرفة الفوارق بينهما.

والحقيقة أن هذه الرتابة التى أصابت النظم الديمقراطية لفترة عادت مرة أخرى إلى الحيوية، وأخذت شكلا جديدا وتنافسا أعمق بين اليمين المتطرف وأقصى اليسار، وكانت أوروبا، خاصة فرنسا، نموذجا لهذا الانقسام الجديد بين حزب التجمع الوطنى اليمينى المتطرف وبين حزب فرنسا الأبية فى أقصى اليسار، وعاد الخلاف حول قضايا جديدة مثل الهجرة والمهاجرين واحترام التنوع الثقافى والحضارى لتعيد الحيوية للنظام القائم.

هذا الخلاف، رغم عمقه وتهديده كثيرا من المجتمعات الغربية بالانقسام والعنف وحملات التحريض، إلا أنه أعاد الحيوية للنظام الديمقراطى، وفرض عليه تحديات جديدة وجعل الانتخابات تشهد تنافسا حقيقيا وخلافا عميقا فى الرؤى بين التيارين، بحيث يمكن القول إن وصول أقصى اليسار للسلطة سيعنى تحوّلًا فى طريقة الحكم والسياسة الداخلية.. أما وصول أقصى اليمين إلى السلطة فى أكثر من بلد أوروبى كبير (وهو راجح) فسيعنى تحوّلًا حقيقيًا فى النظام السياسى والعلاقة مع دول الجنوب، وفى القلب منها العالم العربى.

دورة الحيوية والرتابة عرفتها كل النظم الديمقراطية، فقد ظل لفترة التنافس بين اليمين واليسار ينتج فقط دورانا للنخبة وتجديدها وليس تغييرا حقيقيا فى السياسات أو قدرة على تقديم حلول جذرية للمشاكل القائمة، وشعر الناس فى تسعينيات القرن الماضى بأن أحمد (اليسار)، مثل الحاج أحمد (اليمين)، إلى أن ظهرت مشكلة الهجرة والمهاجرين وقضايا الإسلام والمسلمين والصراع الحضارى.

فانقسم اليسار واليمين على هذه القضايا وأصبحنا نجد يسارا يختلف مع اليمين، ليس فقط أو أساسا حول البرنامج الاقتصادى، إنما حول الموقف من هذه القضايا، وبدأنا نسمع عن أحزاب تجذب أصوات الأوروبيين من أصول مهاجرة، وعن يمين يجذب الأوروبيين البيض المحافظين فى مواجهة المهاجرين أكثر من البرنامج الرأسمالى، وعادت الحيوية مرة أخرى إلى النظام السياسى رغم التحديات.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دورة الرتابة والحيوية دورة الرتابة والحيوية



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon