الفن فى مواجهة الإرهاب

الفن فى مواجهة الإرهاب

الفن فى مواجهة الإرهاب

 لبنان اليوم -

الفن فى مواجهة الإرهاب

الفن فى مواجهة الإرهاب
مصطفي الفقي

لعب الفن المصرى فى العقود الأخيرة دوراً إيجابياً فى مواجهة «الإرهاب»، ولعلى أذكر هنا دور الفنان صاحب الشعبية الكاسحة «عادل إمام» فى هذا السياق، كما أتذكر لآخرين من الفنانين المصريين محاولاتهم تقويض الفكر الإرهابى، ولو بشكل غير مباشر، ولعل جهود الفنان المثقف «محمد صبحى» لتطوير «العشوائيات» أمر يدخل أيضاً فى هذا السياق، وأنا ممن يظنون أن الفن نقيض «الإرهاب»، لأن الفن هو صناعة للحياة، أما «الإرهاب» فهو صناعة للموت، ولقد كان الفن عبر التاريخ إحدى الأدوات الفعالة فى مواجهة العنف والتطرف والتعصب، كما أنه هو الأسلوب المؤثر فى وجدان الناس وتشكيل مشاعرهم، لقد لاحظ «عبدالناصر»- بعد نكسة يونيو 1967 مباشرة- تدهور معنويات الناس وشيوع حالة من الحزن المحبط، فأوعز إلى الفنان الكبير الراحل «يوسف وهبى» بأن يتجول بفرقته فى بعض المحافظات، لعله يُسَرِّى عن المصريين فى محنتهم، ولأن مسرحيات «يوسف وهبى» مليئة بالفواجع وذات خط درامى انفعالى، فإنه عندما بدأ إحدى مسرحياته فى مدينة «دمياط»، ارتفعت بعض الأصوات، قائلةً: «يوسف بك إن فينا ما يكفينا نحن نريد أن نضحك بعد طول عبوس واستمرار تجهم»، ولقد سمعت هذه القصة مباشرة من الأستاذ الكبير «محمد حسنين هيكل»، للتدليل على أهمية مخاطبة مشاعر الناس وتحريك وجدانهم عند اللزوم، وإذا كان الفن هو التعبير الراقى عن مجموعة النسب المتجانسة بين مكونات مختلفة لحدث بذاته- وإذا كانت الأعمال الدرامية الكبرى قد تمكنت من تغيير نفسيات الشعوب وسلوك المجتمعات- فإن علينا أن نعتصم بالفن، إذ إنه مفتاح الأبواب المغلقة والقلوب الكسيرة، ولعلنا نطرح هنا عدة قضايا تتصل بهذا الشأن، وهى كالتالى:

أولاً: إن الإرهاب مرض لعين، وهو داء العصر، ولن يجرفه أمامه إلا زخم كثيف من الفكر والعلم، من المعرفة والثقافة، من الأدب والفن، وهنا نتوقف طويلاً أمام دور الفن تحديداً فى مواجهة الإرهاب وتقويض دعائمه، لذلك لا يجب أن يتصور البعض أن الفن عمل ترفى، بل إن أهميته فى ظنى تفوق أدوات أخرى أمام الموجات الإرهابية المتتالية، فالإجراءات الأمنية وحدها لا تدحر العنف ولا تضحد الإرهاب، إذ إن العامل الثقافى، وفى قلبه الفنون من مسرح وسينما وأدوات أخرى مرئية ومسموعة ومقروءة، إنما تسهم كلها فى خلق مناخ معتدل يحرض على التسامح ويدعو إلى السلام النفسى ويضرب المظاهر الأخرى للعنف والإرهاب، لأنه يقوم بعملية تغيير شاملة تمتص الطاقة السلبية فى تكوين الناس وطرائق تفكيرهم، تمهيداً لمجتمع سلمى وسوى ومستقر الأركان.

ثانياً: إن الفنون تقوم بعملية تنظيف للعقل وتطهير للنفس وتنقية للقلب، فهى لذلك تدخل فى تشكيل المكون الإنسانى وتركيبته البشرية وتجعله أكثر سلاماً مع النفس وأكثر احتراماً لاختيارات الآخرين، بل تدفع به إلى مكانة تجعله قادراً على التمييز وتخلق لديه الوعى وتصل به إلى موقع أفضل على خريطة المجتمع، فالفن لا يبتعد كثيراً عن صناعة «قادة الرأى» و«رواد الاستنارة»، مهما كانت الظروف صعبة والأحوال مضطربة.

ثالثاً: إن «الإرهاب» هو تعبير عن رسالة عشوائية ظاهرها العنف ومضمونها الجريمة، وهى غالباً ما تكون رسالة بلا عنوان، فتصيب الآمنين وتروع الأبرياء، لذلك فإنه يتعين على الأمة أن تستجمع قواها وأن تتقدم بكل ما لديها من أسلحة مادية ومعنوية لمواجهة ذلك الشبح الكئيب الذى يطل علينا بين حين وآخر، وهنا يجب أن نتدارك، قائلين إن «الإرهاب» ليس جريمة جديدة، ولكن تاريخ الأمم والشعوب عرف أنواعاً منه فى الغرب والشرق على السواء، ويكفى أن نلقى نظرة على التاريخ العربى الإسلامى لنكتشف أن موجات «الإرهاب» ظهرت فى تاريخ أمتنا صعوداً وهبوطاً عبر فترات متفاوتة من الزمن.

رابعاً: إن الموسيقى و«الدراما» تلعبان دوراً رئيسياً فى تهذيب الشعوب وترقية المشاعر وتقويض العنف، لذلك فإن رفع الذوق العام للناس من خلال الفنون والآداب ودعم المعرفة والثقافة هو سبيل للوصول إلى أفضل صيغة للتعايش المشترك بين المختلفين فى الرأى دون الوصول إلى نقطة المواجهة باستخدام العنف أو التهديد بالقوة، فالارتقاء بالمشاعر وسمو العواطف أمور تؤدى إلى تنقية الأجواء وتصفية النفوس والقضاء على التطرف والتعصب والمغالاة.

خامساً: إن «وزارة الثقافة»- بمفهومها الحديث- هى الموزع الأصلى للخدمات الثقافية من آداب وفنون وأشعار وأعمال مسرحية وأفلام سينمائية، لذلك فإن مسؤوليتها كبيرة فى توجيه شبكة الإنتاج الثقافى المصرى وتحريك منظومة المعرفة من خلال المادة الثقافية التى تؤدى إلى تحقيق الرسالة الأصيلة فى تكوين الإنسان المعاصر الذى ينبذ العنف ويؤمن بوطنه قبل كل اعتبار.

إن الفن لغة عالمية وتعبير مشترك بين البشر، لذلك فإن دوره فى بناء الشخصية وتكوين الأجيال الجديدة هو دور لا يخفى على أحد.. مرحباً بالفن الراقى الذى يدفع الأمة للأمام ويعالج أمراض الشعب ويطارد جرائم المجتمع.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفن فى مواجهة الإرهاب الفن فى مواجهة الإرهاب



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon