عن «جورج طرابيشى» 1  2

عن «جورج طرابيشى» (1 - 2)

عن «جورج طرابيشى» (1 - 2)

 لبنان اليوم -

عن «جورج طرابيشى» 1  2

بقلم : عمار علي حسن

فى السادس عشر من مارس الماضى حط المفكر والناقد والمترجم الكبير جورج طرابيشى رحاله الأخير بعد سير طويل تنقل فيه بين اعتقادات وتصورات ومهن وأماكن وألوان شتى من المعرفة واهتمامات متعددة فى القراءة والتأمل والكتابة.

فقد مر «طرابيشى» على أيديولوجيات شتى بدأت بالقومية ثم الماركسية لينتهى فى الليبرالية، وتنقل بين أماكن عدة، حيث ولد فى حلب من أعمال سوريا عام 1939، ليرحل إلى لبنان، التى لم تلبث أن انفجرت فى حرب أهلية ضروس، فتركها واستقر به المقام فى فرنسا. ونهل «طرابيشى» من علوم مختلفة؛ حيث درس الفلسفة وعلم النفس واللغة العربية والتربية والأدب ومقارنة الأديان والتاريخ، وتتابعت فى حياته اهتمامات كثيرة، إذ بدأ ناقداً أدبياً، بلغت براعته فى هذا المسار أن كتب له نجيب محفوظ رداً على كتاب «طرابيشى» عنه: «بصراحة أعترف لك بصدق بصيرتك وقوة استدلالك، ولك أن تنشر عنى بأن تفسيرك للأعمال التى عرضتها هو أصدق التفاسير بالنسبة لمؤلفها». وفى ركاب النقد ترجم كتباً مهمة لفرويد وهيجل وسارتر وسيمون دى بوفوار وبرهييه وجارودى وغيرهم، ليستقر به المقام ناقداً عميقاً لمشروع المغربى محمد عابد الجابرى «نقد العقل العربى».

وطيلة هذه الرحلة تنقل أيضاً بين أطر تحليلية عدة، تتابعت من الفكر القومى إلى الثورى فالوجودية، ثم الماركسية وبعدها التحليل النفسى، ليستقر به المقام فى الإبستمولوجيا، وعلى التوازى زاوج «طرابيشى» بين الانشغال بعطاء التراث العربى الإسلامى فى الفقه وعلم الكلام والبلاغة والأدب والتفسير والتصوف والتاريخ وخصائص المجتمع، وبين الاهتمام بما أنتجه العقل الأوروبى الحديث والمعاصر فى النقد والفلسفة. أما عن المهن فقد عمل مديراً لإذاعة دمشق بين عامى 1963 و1964، ورئيساً لتحرير مجلة «دراسات عربية» بين 1972 و1984، ثم محرراً رئيسياً لمجلة «الوحدة» بين 1984 و1989، ليتفرغ بعدها للكتابة.

وحتى فى القراءة، انتقل «طرابيشى» بين مرحلتين؛ الأولى كان يقرأ فيها ليحكم على ما يقرأه، وهذا من فعل الناقد، والثانية كان يقرأ ليعرف أكثر، وهذا من تصرف العالم، وهنا يقول: «من قبل ما كنت أقرأ -والقراءة هوايتى الكبرى- إلا مع أو ضد.. ومن بعد صرت أقرأ بعيداً عن همّ المع أو الضد.. من قبل كنت أقرأ لأحكم ومن بعد صرت أقرأ لأعرف.. من قبل كنت أرد كل ما أقرأه إلى ما أعرفه.. ومن بعد صرت أنطلق مع كل ما أقرأه إلى ما لا أعرفه».

وفى كل هذه المراحل، فى القراءة والتأمل والكتابة، كان «طرابيشى» يؤمن بأن النقد فريضة واجبة، ففى نظره «العقل لا يكون عقلاً إلاّ إذا كان نقدياً»، وربما هذا هو الذى جعله دائم الترحال والانتقال بين الأفكار والأطر والتصورات والبلدان والكتب، فالنقد كان هو القيمة المركزية لدى «طرابيشى» لدرجة أن هناك من أراد أن يجرده، ظلماً وعدواناً، من وجود مشروع فكرى خاص به فوصفه بأنه «ناقد النقد» فحسب، وهذه قراءة مبتسرة ومتعجلة ومغرضة ومبتعدة عن التأنى والحكم العادل، المجرد عن الهوى، على منجز فكرى ثرى.

فـ«طرابيشى» فى ترحاله الدائم، وكراهيته الركون إلى أمر، والركود عند شىء، أنجز مؤلفات عميقة ومتنوعة مثل «سارتر والماركسية»، و«الماركسية والأيديولوجيا»، و«المثقّفون العرب والتراث: التحليل النفسى لعصاب جماعى» و«الماركسية والمسألة القومية»، و«مذبحة التراث فى الثقافة العربية المعاصرة»، و«مصائر الفلسفة بين المسيحية والإسلام»، و«النزاع الصينى السوفيتى» و«الاستراتيجية الطبقية للثورة» و«النظرية القومية والدولة القطرية»، و«شرق وغرب، رجولة وأنوثة: دراسة فى أزمة الجنس والحضارة فى الرواية العربية»، و«عقدة أوديب فى الرواية العربية»، و«الرجولة وأيديولوجيا الرجولة فى الرواية العربية» و«الله فى رحلة نجيب محفوظ الرمزية» و«لعبة الحلم والواقع: دراسة فى أدب توفيق الحكيم»، و«الأدب من الداخل» و«رمزية المرأة فى الرواية العربية» و«أنثى ضد الأنوثة: دراسة فى أدب نوال السعداوى» و«معجم الفلاسفة» و«من النهضة إلى الردة» و«هرطقات» فى جزءين؛ الأوّل عن «الديمقراطية والعلمانية والحداثة والممانعة العربية»، والثانى عن «العلمانية كإشكالية إسلامية إسلامية»، ثم كتاب «المعجزة أو سبات العقل فى الإسلام»، وأخيراً خمسة مجلدات فى الرد على «الجابرى» تحت عنوان «نقد نقد العقل العربى»، كان آخرها «من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «جورج طرابيشى» 1  2 عن «جورج طرابيشى» 1  2



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon