سر عبقرية نجيب محفوظ 1  2

سر عبقرية نجيب محفوظ (1 - 2)

سر عبقرية نجيب محفوظ (1 - 2)

 لبنان اليوم -

سر عبقرية نجيب محفوظ 1  2

عمار علي حسن

تحل غداً السبت الذكرى الثامنة لرحيل أديبنا الكبير نجيب محفوظ ، الذى لا يزال بإبداعه وشخصه هو «المعلم الأكبر» فى مسيرة الرواية العربية ، الذى تعددت زوايا علاقته بكل القادمين بعده، لتتراوح بين التأثر التام، الذى يصل إلى حد الاقتطاف والتمثل، وبين التمرد عليه وتحديه، أو بمعنى أدق محاولة الخروج من عباءته، بغية التجديد فى الشكل والمضمون، مروراً بأنماط متدرجة من التناص، وإذا كان كثيرون قد أوسعوا النص المحفوظى نقداً بحثاً عن الجمال والقيم فإن فى نظرى هناك أمراً لا بد أن ننظر إلى سلوكه ككاتب وكإنسان ونتعلم منه، ونقتدى به.

ومن يمعن النظر فى حياة العرب الراهنة يجدها، فى الغالب الأعم، متخبطة زائغة، لا يحددها هدف، ولا تحكمها غاية، تعج بالفوضى، وتفتقد الانضباط والاتزان، وتفتقر إلى الدأب، ويعوزها الإصرار على بذل الجهد المنظم والمنتظم، الذى يعد وسيلة مهمة للإنجاز، والترقى فى المعيشة، وطريقة ضرورية لتحقيق جزء كبير من أسباب وجود الإنسان فى الدنيا، بتعميره للأرض، وكدحه الدائم ومكابدته من أجل أن يكون اليوم أفضل من الأمس، والغد أحسن من اليـوم.

لكن هذه الصورة العامة الحافلة بالفوضى لا تخلو من مشاهد نادرة للانضباط والاتزان والدأب، تبرهن على كذب ادعاءات من ربطوا بين العبقرية والتحلل، وبين الإبداع والهذيان، وتؤكد أن الجل الأعظم من التفرد والتميز يتكئ على بذل الجهد، وتدريب النفس على مشقة العمل الدائم، والعطاء المستمر، وتثبت كذلك أن الموهبة كائن حى، تحتاج إلى الرعاية المنتظمة، كى تنمو وتستوى على سوقها، وتزدهر فتمنح صاحبها توهجاً دائماً، فيعطى مجتمعه خير ما لديه، وأفضل ما عنده، فيكبر به وبأمثاله من أصحاب القرائح المتوقدة، والأذهان الثاقبة، والبصائر النيرة.

وقد كان نجيب محفوظ واحداً من الأمثال الراسخة للانضباط والجد والاجتهاد، فقد وضع لحياته نظاماً صارماً، لا يحيد عنه، ومد أذرع هذا النظام إلى مختلف مناحى معيشته، سواء فى إبداعه الأدبى الغزير والفياض والمتميز، أو فى مسيرته العملية المتتابعة، موظفاً بوزارة الأوقاف ومشرفاً على هيئة الرقابة على المصنفات الفنية، وكاتباً بصحيفة الأهرام، أو حتى فى سلوكياته اليومية البسيطة، أو مراعاته لصحته، وترويضه لمرض السكر، الذى يحتاج إلى تصرفات محسوبة، والتزامات دقيقة فى كل ما يدخله الإنسان فى جوفه من طعام أو شراب.

وقد بلغ محفوظ فى هذا حداً عالياً، يصلح أن يقدم للأجيال اللاحقة على حياته، نموذجاً يحتذى، ومثلاً يُقتدى به. فمحفوظ كان يعرف قيمة الوقت، وينظر إليه وفق الحكمة ذائعة الصيت التى تقول:

«الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك».

(ونكمل غدا إن شاء الله تعالى)

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سر عبقرية نجيب محفوظ 1  2 سر عبقرية نجيب محفوظ 1  2



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon