عام العودة إلى الخيام

عام العودة إلى الخيام

عام العودة إلى الخيام

 لبنان اليوم -

عام العودة إلى الخيام

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

ترحل الأعوام وتبقى بعد رحيلها آلام تستعصي على عاجل الشفاء. إنما، يتجدد مطلع كل عام جديد، رجاء أن الآتي أجمل من الذي مضى، وسوف يحمل المُتَمنى، سواء على الصعيد الخاص، أو العام. ضمن هذا السياق، وبصرف النظر عن اختلاف وجهات نظر الأشخاص، وحكومات الدول، ومنظمات المجتمع العالمي، حول الذي وقع في قطاع غزة من مآس فاق هولها كل توقع، طوال ما تجاوز الآن حاجز الشهرين زمنياً، ولا يزال مستمراً، فإن هناك حقيقة انتصبت صارخة في وجوه الجميع، ليس ثمة خلاف حولها، فقد وثقتها سجلات هيئة الأمم المتحدة، وهي ذاتها التي أعلنتها على الملأ أجمعين رسمياً، أما خلاصة مضمونها فتقول إن مليوناً وتسعمائة ألف نفس بين نفوس أهل غزة، باتوا مشردين داخل القطاع، ما بين دير البلح، ومدينة رفح في الجنوب، ثم إن غالبية عظمى بين هؤلاء تتنفس تحت خيام، لن تقيهم قسوة طقس الشتاء، خلال الكانونين، الأول (ديسمبر) والثاني (يناير)، من عواصف، ورياح، وأمطار، وصقيع ليل يمتد لساعات طوال.

إذن، عِوض أن يستقبل فلسطينيو غزة عام 2024 متفائلين بأمل العودة إلى أرض فلسطين المُغتصبة سنة 1948، وجدوا أنفسهم يودعون عام 2023 بعودة مئات آلاف منهم إلى الخيام. أسوأ من ذلك، أن نوعاً من القنوط بدأ يتسرب إلى نفوس بعض الذين نزحوا من الشمال إلى الجنوب، بعدما أصابهم يأس من قرب عودتهم إلى بيوتهم، أو حتى أنقاض البيوت، وطفق الخوف يغزو عروق كثيرين منهم إزاء احتمال أن تفرض إسرائيل من الشروط على عودة النازحين جنوباً ما يعرقل العودة إلى الشمال، أو يضعها في خانة المستحيل. أين كنا، إذن، وأين أصبحنا؟ سؤال يجوز افتراض أنه يتردد في قلوب وعقول ضحايا همجية إسرائيل العدوانية، التي تجاوز مداها كل حدود المعقول، حتى في نظر بعض أصدقائها في الغرب. إنما، أليس من الجائز أيضاً تصوّر أن هؤلاء المتضررين أنفسهم قد يلقون السؤال ذاته على الطرف الذي أطلق «طوفان الأقصى» من أنفاق غزة، فهز منظومة الأمن الإسرائيلي في عقر دارها، وأشعل نار حرب ليس معلوماً إلى أي مدى سوف يذهب لهيبها؟

نعم، ذلك تصوّر محتمل، وهو مبرر كذلك. هذا تقدير يخصني، ولستُ ألزم به أحداً غيري، وهو أيضاً ليس بالضرورة يمثل مطلق الصواب. فأن تضع أمٌّ مسؤولية وضع عيالها البائس، وما آل إليه من تشرد وضياع، على كاهل حركة «حماس»، وشركائها في هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ليس فيه ما يجب أن يثير الاستغراب، ناهيك عن الغضب. في الآن ذاته، مفهوم أن التيار المُنصِب نفسه حامي حِمى تنظيمات مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ولو من أوروبا وأميركا، وباقي دول قارات العالم الخمس، سوف ينتفض غاضباً ويرفض توجيه أي نوع من الانتقاد، لأي من الفصائل، حتى لو أنه منطلق من إحساس وطني، ومن موقع الصدق مع النفس. أما أن يزعق أحدهم، وبلا أي تردد، فيرمي كل مَن متألم ومتألمة في خيام المتشردين الجدد، بوصف «أعداء، لا ضحايا»، لمجرد أنهم حمَّلوا حركة «حماس»، وغيرها، مسؤولية ما آل إليه وضعهم، فذلك قول أخرق، وغير مسؤول على الإطلاق، بل ينم عن تفوّق مذموم في المزايدة على آلام الآخرين، من بلد آمن، على بعد آلاف الأميال من غزة ومآسيها. منذ زمن صباي، سمعت العقلاء يرددون القول إن إحساس الذي يده في الماء باللهب، ليس كما الذي يده في النار. حقاً، ليت «المقاومين» بعيداً عن لهب أهوال غزة، يكفون عن لوم الضحايا، كما لو أنهم أعداء بالفعل.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عام العودة إلى الخيام عام العودة إلى الخيام



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon