المُتحولون وحُكم القانون

المُتحولون... وحُكم القانون

المُتحولون... وحُكم القانون

 لبنان اليوم -

المُتحولون وحُكم القانون

بقلم:بكر عويضة

الأربعاء الماضي، فور الاستماع لنبأ حكم أعلى هيئة قضاء في بريطانيا، بشأن التعريف القانوني للمرأة، حضرني قول عربي حكيم يهزأ، أو يأسف، إزاء تضييع الوقت فيما ليس ينفع الناس، فيزعق قائلاً: «فسَّرَ الماء بعد الجَهد بالماء». لخلفيات ذلك القول تفاسير عدة، لكنها ليست موضوع هذه المقالة، وليس غرض استحضاره أن المحكمة العليا كانت تُضيّع الوقت في نظر دعوى بلا فائدة منها لعموم المجتمع، بل الأصح أن الحكم بات مطلوباً في ضوء إصرار واضح من جانب بعض نشطاء «لوبي»، الدفاع عن «حقوق» المتحولين جنسياً في بريطانيا على صعيد فرض مفهومهم لتعريف المرأة قانونياً.

أنصار ذلك الفهم حاولوا توظيف قانون مساواة الجنسين البريطاني الصادر عام 2004، الذي يضمن حماية المرأة من التمييز ضدها لكونها أنثى، بهدف أن تشمل بنود الحماية ذاتها الرجالَ المتحولين جنسياً، والحاملين وصف «نساء عابرات»، أو «ترانز»، وذلك بالإصرار من جانبهم على إلغاء، أو تجاهل، الفوارق التي تميز الذكر عن الأنثى كما خُلِق كل منهما. أدى هذا إلى نشوء جدل بريطاني يستحق أن يُعْطى صفة «البيزنطي»، طفق يخوض في تشعباته فريق المدافعين، والمدافعات طبعاً، عن التعريف البيولوجي للمرأة، بمعنى المولودة أنثى، وأنصار الفريق الذي يريد اعتبار كل عابر جنسياً امرأة أيضاً، لها حق التمتع بحقوق النساء كافةً، حتى لو أن البنية الجسمانية لا تزال تكشف ذكورية ذلك المتحول بوضوح. كأنما تلك المحاججة تريد ادعاء أن مجرد ارتداء الفستان، أو التنورة، وتغطية الرأس الأصلع بباروكة من شَعر زائف، وتلميع الوجوه الخشنة بالمساحيق، كافٍ لأن يحوِّل الذكر إلى أنثى. ألا يكشف هذا السخف في المحاججة عن جهل فاضح؟ بلى.

ذلك نوع من التطرف الذي يستحضر المثل الدارج بين عموم الناس في مختلف الثقافات، والقائل إن «كل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده». هذا قول يحق في كل منهج يحاول مَنْ يروّج له أن يفرضه على غيره بأي وسيلة، وفي مجالات الحياة كلها. تطرُّف ذوي الفهم الأعوج لمساواة «العابرات جنسياً»، بالنساء المولودات إناثاً، أثار في البداية أشكالاً من الاحتجاج الهادئ عبّرت عنه أسماء لامعة في المجتمع البريطاني، بينهن جي كي رولاند، مبدعة مسلسل روايات الأطفال الرائعة «هاري بوتر». لكن الهدوء سرعان ما تحول إلى غضب عندما طفق المتحولون جنسياً يطالبون بمشاركة النساء المرافق العامة التي تخصهن، سواء في المدارس، أو المستشفيات، أو السجون، وحتى في دخول مسابقات رياضية خاصة بالنساء.

عام 2018 قررت مجموعة «نساء من أجل اسكوتلندا» مقاضاة حكومتها أمام المحكمة البريطانية العليا، بعد انحياز الحكومة إلى جانب «الترانز»، والتساهل مع مطالبهم، والاستجابة لضغوطهم، مع ملاحظة أن التساهل والاستجابة، مرَّا عبر قنوات قضائية. الأربعاء الماضي، عبَّرت سوزان سميث، إحدى اللواتي أسسن المجموعة، عن فرحتها بالحكم، فقالت ما خلاصته إن «النساء يمكن أن يشعرن الآن بالأمان، وإن الخدمات والأماكن المخصصة للنساء ستكون للنساء، وإن المرأة محمية بجنسها البيولوجي». حسناً، هل كان هذا الأمر البدهيّ جداً، بحاجة إلى كل ذلك العناء؟ ربما.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المُتحولون وحُكم القانون المُتحولون وحُكم القانون



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon