التجويع بهدف التركيع

التجويع بهدف التركيع

التجويع بهدف التركيع

 لبنان اليوم -

التجويع بهدف التركيع

بقلم:بكر عويضة

مساء الجمعة الماضي، عندما بلغني قولٌ صدر عن ناطق باسم الأمم المتحدة، يخبر الناسَ أجمعين، في مشارق العالم والمغارب، أن أهل قطاع غزة هم «الأشدُّ جوعاً على سطح الأرض»، وجدتُّني أرجِّحُ احتمالَ أن الكلام يحمل شيئاً من مبالغة سرعان ما عللتُها بالتعاطف الدولي المفهوم، والمطلوب، في ظل استمرار العناد الإسرائيلي بمنع دخول شاحنات تُقِلُّ مساعدات إنسانية لضحايا حرب بنيامين نتنياهو الهمجية على غزة كلها، وليس ضد مقاتلي حركة «حماس» وحدهم كما يزعم هو وجنرالاته. بيد أن تصريح ينس لاركه، المتحدث باسم «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، لم يدَع مجالاً للريب في أن الرجل يعني ما يقول، ومِن ثَمَّ فإن الذي يحدث على أرض غزة هو بالفعل تجويع شديد ينذر بمجاعة تدق أبواب الجوعى في القطاع المنكوب من الشمال إلى الجنوب.

لماذا ساورني إحساس المبالغة في البداية، ولماذا انتفى فوراً؟ إجابة الشق الأول بسيطة، ويقول مضمونها المُختَصَر إن أشكالاً عدة من الجوع تؤذي كثيراً من جموع البشر في بقاع عدة من الكوكب، فَلِمَ تُعَدُّ غزة تحديداً «الأشدَّ جوعاً على سطح الأرض»؟ حسناً، سوف ينتفي الاستغراب بمجرد استحضار حقيقة أن جوعَ البشر مع حالات الجفاف بفعل انقطاع الأمطار بضع سنوات، وبالتالي تمدد مساحات التصحر في بعض الأمصار، أو الجوعَ الذي يتعرض له ضحايا حوادث الفيضانات والأعاصير عندما تُجرف قرى بأكملها، ويتشرد أهلوها في مناطق عدة، والجوعَ الذي يصيب المشرَّدين جراء الزلازل الكارثية... وغير ذلك من كل حالات الجوع، ناشئة عن كوارث طبيعية ليس لبني البشر دور فيها، إذا وضعنا اتهامات أنصار البيئة جانباً. أما التجويع الحاصل في قطاع غزة، أو في غيره من مسارح الحروب بالعالم، فهو فعلٌ مُمارَسٌ من قبل إنسان تجرد من إنسانيته، ضد إنسان آخر مثله؛ إنما هو، أو هي، أضعف من امتلاك مقومات الدفاع عن النفس... فهل بعد هذا الجبروت في الظلم أي نوع من الجبروت أشد بطشاً؟

رُبَّ متعجل يسارع مجيباً: كلا، ثم يضيف باندهاش: أثَّمة من هو أشد بطشاً من بشر يتعمد تجويع بشر آخرين؟ الجواب البدهي، دون ذرة ريب، هو التالي: نعم، هناك بطش الخالق الذي يستحيل أن يقبل بالظلم، ولا بإثم العدوان، ولو أمهل المُعتدين بعض الوقت. هو ربُّ العالمين، وأعدلُ العادلين، الذي ينحرُ المسلمون كبشَ الفداء في عيد الأضحى، كل عام، تجديداً لميثاق الإيمان به، وبكل الأنبياء والرسل، دون تفريق بين أي منهم. تضحيةُ الفلسطيني المتضورِّ جوعاً في غزة، أو في غيرها، تبدو مستعصيةَ الفهمِ على نتنياهو، ومَن هم على شاكِلتِه. إنها التضحيةُ التي تنبعُ من قلبٍ ينبض بالإيمان فيرفض الركوع لغير ربِّ الناس أجمعين، مهما أمعن المُعتدي في تجويع الأبرياء العُزل، بغرض الإذلال والتركيع.

تبقى ملاحظة أن غداً يوافق الذكرى الـ58 لحرب 5 يونيو (حزيران) عام 1967، التي وضعت نتائجُها أساسَ كل الذي جرى بعدها من مآسٍ وويلات، بما فيها مآسي غزة الحالية، والتي سبقتها، وربما اللاحقة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التجويع بهدف التركيع التجويع بهدف التركيع



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon