لم أكن أتصور أنه بعد أن خرج الشعب بأغلبية غير مسبوقة لإقرار الدستور، أن يصدر عن المحكمة حكم تبدو فيه شبهة انتهاك الدستور بهذا الشكل الصارخ! لقد انفردت «المصرى اليوم»، أمس، بنشر خبر صغير فى صفحة الحوادث، مؤداه أن محكمة ببا الجزئية أيدت حكماً بسجن الأديب الروائى كرم صابر 5 سنوات بتهمة ازدراء الأديان فى إحدى مجموعاته القصصية(!!). إن ازدراء الأديان تهمة مطاطة غير موجودة أصلاً بالدستور، الذى تنص إحدى مواده على أنه لا عقوبة فى جريمة لم ينص عليها القانون، وقد أصر حكم الإخوان على إدراجها فى دستورهم الذى سقط معهم كوسيلة لتوجيه الاتهامات للمواطنين وتقديمهم لمحاكم التفتيش، لكن أحداً من ممثلى التيار الإسلامى داخل لجنة الـ50 لم يقترحها، ثم إن المادة «67» من الدستور تنص على أن «حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة»، وأنه «لا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية، أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة»، ثم هى تنص أيضاً على أنه «لا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى»، وقد استثنى الدستور ثلاث حالات فقط، ليس من بينها ازدراء الأديان، وهى: التحري ض على العنف، والتمييز بين المواطنين، والطعن فى أعراض الأفراد، وفيما عدا هذه الحالات فالعقوبة هى التعويض وليس الحبس. ومع ذلك، أجد خبر «المصرى اليوم» يظهر أن محامياً ببنى سويف هو الذى رفع الدعوى، متهماً الكاتب بازدراء الأديان (!!)، ومطالباً بسرعة سحب مجموعته القصصية من الأسواق ومصادرتها (!!) وأجد المحكمة تؤيد الحكم بتوقيع عقوبة سالبة للحريات، والذى كان قد صدر قبل إقرار الدستور فى تهمة غير منصوص عليها فى أى من مواده (!!). فهل هذا يستقيم؟ وهل من المعقول أن تأتى كل هذه الانتهاكات من المحكمة التى يفترض أن تكون هى الحامى الأول للدستور، وأن تحكم بمقتضاه؟ إن الشعب الذى خرج بالملايين لإقرار الدستور من حقه أن يسمع تفسيراً لهذا الموقف الغريب، وإلا كان من حقه الطعن بعدم الدستورية.