هل يُعطِّلُ قورُش المواجَهةَ بين إيران وإسرائيل

هل يُعطِّلُ "قورُش" المواجَهةَ بين إيران وإسرائيل

هل يُعطِّلُ "قورُش" المواجَهةَ بين إيران وإسرائيل

 لبنان اليوم -

هل يُعطِّلُ قورُش المواجَهةَ بين إيران وإسرائيل

بقلم - سجعان القزي

العداوةُ بين إيران وإسرائيل جِدّيةٌ، وتَلاقي المصالحِ بينهُما استراتيجيٌّ أيضًا. يَصعُب أنْ تكونَ إيرانُ الشاه حليفةَ إسرائيل، وأنْ تُصبحَ إيرانُ الخمينيّ عدوةً لها حتى الموت. التاريخُ والجغرافيةُ يَظلّان أقوى من الأنظمةِ. فإذا كان "سَنْحاريب" ملكُ آشور (العِراقُ اليوم) سَبى يهودَ السامِرة نحوَ سنةِ697 ق.م،ونَبوخَذْنَصَّر" ملكُ بابل (العِراقُ اليوم) سَبى يهودَ أورشليم نحوَ سنةِ 586ق.م، فملِكُ فارس "قورش" أعادَهم جميعًا إلى أرضِ إسرائيل نحوَ سنةِ 538 ق.م. ومنذُ تلك العودةِ، وأصولُ المَودّةِ محترَمةٌ بين الشعبَين حتّى بعدَ نشوءِ دولة ِإسرائيل.

مهما رَفعَت الخمينيّةُ الشعورَ الإسلاميَّ، تبقى الحالةُ الفارسيّةُ هويّةَ إيران. تستطيعُ إيرانُ اليومَ أنْ تَبتعِدَ عن إسرائيل وتُـخاصِمَها مرحليًّا لأسبابٍ تعودُ إلى مشروعِ تصديرِ الثورة، لكنّها ليست مُقنِعةً بمشروعِ تدميرِ إسرائيل. وأصلاً، إيرانُ تَطرحُ هذا المشروعَ لأنّه مستحيلٌ ووَعدٌ لا يَربُطها بـمُهلةٍ زمنيّة. أَهونُ على الحكّامِ أنْ يَعِدوا الشعبَ بالمستحيلِ مِن أنْ يَعِدوه بالممكِن. فالشعبُ يحاسِبُ على الممكنِ ويُسامِح على المستحيل.

تركيا مِثالٌ على محدوديّةِ التغييرِ الـمُـــطلَقِ في المصالحِ الاستراتيجيّة: فالرئيسُ رَجب طيِّب أردوغان جَـمَّد علاقاتِ تركيا الاستراتيجيّةَ مع إسرائيل نحوَ خمسِ سنواتٍ (2011/2015) ليلعَبَ على الوترِ الدينيِّ والشعبيِّ ويَتسلّلَ ـــ بموازاة إيران ـــ إلى العالمِ العربيِّ. لكنَّه اضْطُرَّ إلى إعادتِها إلى سابقِ تألُّقِها سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا لأنَّ مصلحةَ تركيا الاستراتيجيّةَ تَفرِض ذلك.

ولولا وجودُ مرجِعيّةِ مُرشِدِ الثورةِ لكانت الجُمهوريّةُ الإيرانيّةُ خَفّفَت من نسبةِ عداوتِـها لإسرائيل. إسرائيلُ باتت جُزءًا من السياسةِ الداخليّةِ الإيرانيّةِ بين الدولةِ التي تُعطي الأولويّةَ للمصالحِ الفارسيّةِ وبين الثورةِ التي تُبدّي المشروعَ الشيعيَّ. المجتمعُ المدنيُّ الإيرانيُّ والبازار يَـميلان إلى الدولةِ، والـمُرشديّةُ والحرسُ الثوريُّ والباسيجُ يَنصُرون الثورة. ومصيرُ الدورِ الإيرانيِّ في سوريا، وبالتالي في لبنان، رهنُ تطوّرِ موازينِ القِوى في الداخلِ الإيرانيّ.
هذه الخلفيةُ التاريخيّةُ، وإنْ ليست بارزةً في اليوميّات، تُفسِّرُ التنافسَ الرابحَ بين إسرائيل وإيران في العالم العربيِّ، والتنافسَ الخاسرَ بينهما في سوريا تحديدًا. كلُّ ما أصابَ العالمَ العربيَّ منذ الثمانيناتِ إلى اليوم (تدميرُ المفاعِلِ النوويِّ العراقيِّ، احتلالُ الكويت، حربُ الخليجِ الأولى، إسقاطُ صدّامِ حسين، حلُّ الجيشِ العراقيِّ، الثوراتُ العربيّةُ، سقوطُ الأنظمةِ، إضعافُ مِصر، الإرهابُ التكفيريُّ، الحربُ اليمنيّةُ/الخليجيّةُ) صَبَّ في مصلحةِ

إسرائيل وإيران المشترَكةِ من دونِ أنْ تَتشاورا في الأمر. فكل ما يُضعِفُ العربَ يُفيد إيران وإسرائيل، وتركيا استطرادًا. بالمقابل، إنَّ الصِراعَ الإسرائيليَّ/الإيرانيّ في سوريا، الـمُشَرَّعَ على كلِّ الاحتمالاتِ قريبًا، سيُفيدُ العربَ، ولو لمرَّةٍ، وسيُضِرُّ بمصالحِ إيرانَ وإسرائيل.

خَرجت العلاقاتُ الإيرانيّةُ/الإسرائيليّةُ عن مسارِها التاريخيِّ حين خَرجَت إيرانُ، بعد الثورةِ، عن مسارِها الجغرافيّ. كانت إسرائيلُمُطمَئنّةً تجاه إيران طالما كانت الأخيرةُ تتحرّكُ في المحيطَين الخليجيِّوالآسيويِّ،وتتنافسُ مع العربِ وتركيا وروسيا. لكنَّ إسرائيلَ توجَّسَتعندَ رؤيتِها إيرانَ تُعدِّلُ وِجهَةَ تَـمدُّدِهاوتَتوسّعُ في المشرقِ (العراق، سوريا، لبنان وغزّة) وتُزاحِمها وتَنجَحُ حيث هي فَشِلَت. وزادَ قَلقُها مع تحالفِ إيران وروسيا وسْطَميوعةٍ أميركيّة.

إنَّ إيرانَ اليومَ، برغمِ فارسيَّتِها، تُسيطر على غالِبيةِ دول المشرِق، بينما إسرائيلُ اضطُرَّت، برغمِ الدعمِ الأميركيِّ والأوروبيِّ، إلى الانسحابِ من سيناءَ والضِفّةِ الغربيّةِ سلميًّا ومن جنوبِ لبنان عسكريًّا، كما لم تُوقِّعْ رسميًّا اتفاقاتِ سلامٍ جديدةً فيما الاتّفاقاتُ القديمةُ باردة. إنّنا نَشهَدُ تقدُّمَ مشروعِ إيران الكبرى وانكفاءَ إسرائيل إلى مشروعِ إسرائيل الصُغرى. ودُقَّ جرسُ الإنذار.

قبلَ الوصولِ إلى مرحلةِ "الخِيارِ العسكريِّ"، حاوَلَت أميركا والغربُ عمومًا، احتواءَ تمدُّدِ إيران بفَرضِ عقوباتٍ قاسيّةٍ عليها، وراهنوا على تغييرِ النظامِ بانتفاضةٍ داخليّةٍ أو تغييرِ سياستِه بانتصارِ الإصلاحيّين. الانتفاضاتُ قُمِعَت، الإصلاحيّون دُجِّنوا والتوسُّعُ ازداد. ولـمَّا فشِلَت التدابيرُ السلبيّةُ، جَـرّبوا المسلَكَ الإيجابيَّ، فتساهَل الغربُ ووقَّع مع إيران الاتفاقَالنوويَّ الملتبِس، ورَفعَ عنها العقوباتِ الاقتصاديّةَ، وأفرجَ عن ملياراتِـها الـمُجَمَّدةِ في المصارفِ الدوليّةِ، وغَضَّ الطَرْفَ عن دورِإيران في العراق...

على تدابيرِ الغربِ السلبيّةِ ردَّت إيرانُ بالعنفوانِ الفارسيِّ، وعلى خَطواتِه الإيجابيّةِ ردّت باللامبالاةِ إذ اعتبرَتها حقًّا سليبًا تَسترِدُّه لا مِنَّةً تُعطى لها. وعِوضَ أنْ تَستفيدَ من اتّفاقاتِـها مع الغربِ للانخراطِ في المجتمعِ الدوليّ ووقفِ سباقِ التسلُّحِ، استغلَّتها للتوغُّلِ أكثرَ فأكثرَ في العالمِ العربيّ ومضاعفةِ برامِـجِها العسكريّةِ والبالستيّة. وجاءَ تَدخُّلها الواسعُ في سوريا بمثابةِ نُقطةِ الماءِ التي أفاضَت الإناء.

تغاضَت إسرائيلُوأميركا عن الوجودِ العسكريِّ الإيرانيِّ في سوريا طالما كانت مُهمَّتُه منعَ سقوطِ نظامِ الأسد والمساهمةَ في محاربةِ "داعش" والتنظيماتِ التكفيريّة. لكنْ، حينَ بَدأت إيرانُ تُحوِّلُوجودَها انتشارًا ثابِتًا وتَبْني قواعدَ عسكريّةً في سوريا وتَتمركزُ بمحاذاةِ الحدودِ الإسرائيليّةِ وتَتحضَّرُ لفتحِ جَبهةِ الجولان، تَبدَّلَ موقِفُإسرائيل وقرّرت التدخّلَ المباشِر لتغييرِ الواقعِ الإيرانيِّ في سوريا.

ولأن انفجارَ الصراعِ الإسرائيليّ/الإيرانيّ يَقترب، يَبرُز في طهران فريقٌ، معارضٌ طموحاتِ قاسم سُليْماني، يدعو إلى منعِ المُواجهةِ وتَذَكُّرِ الملك "قورُش" لئلا تَـخسَرَ إيرانُفي سوريا ما راكَمتْهُ من مكاسبَفي العراق واليمن ولبنان وغيرِها، لاسيَّما أنَّ "حزبَ الله" يَستعدُّ ليتحوّلَ من حزبٍ مقاوِمٍ إلى حزبٍ حاكمٍ أيضًا، بعد فوزِه المرتقَبِ في الانتخاباتِ النيابيّة اللبنانيّة.

المصدر:جريدةُ الجُمهوريّة

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يُعطِّلُ قورُش المواجَهةَ بين إيران وإسرائيل هل يُعطِّلُ قورُش المواجَهةَ بين إيران وإسرائيل



GMT 14:27 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

وفاة الحلم الياباني لدى إيران

GMT 14:24 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

المواجهة الأميركية مع إيران (١)

GMT 05:35 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

موسكو في "ورطة" بين "حليفين"

GMT 05:32 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

(رحيل محمد مرسي)

GMT 05:28 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ضرب ناقلات النفط لن يغلق مضيق هرمز

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon