من «معجزة بوتين» إلى «مفاجأة العربي»

من «معجزة بوتين» إلى «مفاجأة العربي»

من «معجزة بوتين» إلى «مفاجأة العربي»

 لبنان اليوم -

من «معجزة بوتين» إلى «مفاجأة العربي»

عريب الرنتاوي

في زمن آخر، كان يمكن للمقترح الروسي بتشكيل “تحالف رباعي” يضم كلا من تركيا والسعودية والأردن وسوريا، لمحاربة الإرهاب، أن يثير “زوبعة” من التصريحات الرافضة والنافية بل والمشككة والمنددة، لكن عواصم البلدان المعنية بالاقتراح / المعجزة، آثرت الصمت، ولم يصدر عنها رسمياً ما يفيد القبول أو الرفض ... ولولا تصريح مجهول المصدر، نُسب إلى مسؤول سعودي شدد على إخفاء هويته، لما عثرنا على ما يفيد الرفض والاعتراض أبداً.

وما هي إلا أيام قلائل، حتى فاجأنا الأمين العام لجامعة الدول العربية، بتصريح لا يقل “غرابة” عن المبادرة الروسية، يعرب فيه عن الاستعداد للقاء وزير الخارجية السورية في أي وقت، مقللاً من “مغزى” القرارات التي صدرت عن الجامعة بشأن سوريا، والتي لا تعدو “تعليق” مشاركة دمشق في اجتماعاتها (؟!)، متناسياً المراسم الاحتفالية التي نظمتها الجامعة لاستقبال وفود المعارضات السورية التي استضيفت للحديث باسم سوريا أمام القادة العرب على مستوياتهم المختلفة.

على أية حال، فمثلما أثارت المبادرة الروسية فيضاَ من الأسئلة والتساؤلات حول فرص نجاحها، وما إذا كانت “منسقة” مع الدول المذكورة أم لا، فإن تصريحات العربي المنفتحة على اللقاء مع النظام السوري، تطرحاً بدورها فيضاً آخر من الأسئلة والتساؤلات: هل تعكس هذه “المبادرة” موقف نبيل العربي الشخصي، أم أنها منسقة مع الدول الفاعلة في الجامعة؟ ... ومن هي هذه الدول تحديداً، هل هي مصر، المنكوبة بآفة الإرهاب، والتي تتبنى مقاربة أكثر انفتاحاً على دمشق، أم أنها منسقة كذلك مع المملكة العربية السعودية؟ .

.. هل كُلف الرجل الذي لم يعرف بمبادرته ورياديته، القيام بدور “دورية الاستطلاع” التي تمهد الطريق لخطوات لاحقة، أم أنها مجرد “زلة لسان” أو “شطحة” تحت “الإلحاح الصحفي”؟
إن “التحليل الموضوعي” الذي تحدث عنه سيرغي لافروف، يقود إلى الاستنتاج بأن “لا دخان من دون نار”، والتعاقب السريع بين مبادرة الكرملين وتصريحات العربي، تشف عن “تحوّلات” تجري في أوساط الدول المعنية، ربما تقود إلى تغيير في المقاربات والسياسات والتحالفات:

تركيا، التي تعيش هاجس قيام “الكيان الكردي المتصل”، تقف على حافة الحرب والاجتياح، لا خيار سهل ينتظرها، إن جلست على مقاعد المتفرجين، ستكون أمام “كردستان الشرقية” قريباً، وربما بموافقة من النظام في دمشق كما كشفت بعض التعليقات الرسمية السورية ... وإن هي ذهبت إلى حرب واجتياح، فليست هناك أية ضمانة من أي نوع، بأنها لن تغرق في المستنقع السوري، وهذه وجهة نظر المؤسسة العسكرية على وجه التحديد، مدعومة من جميع الأحزاب السياسية باستثناء حزب أردوغان ... كما خيارات تركيا في “توظيف” داعش، باتت أكثر صعوبة، بعد انكشاف فصول هذه “اللعبة القذرة” وتزايد القلق الدولي من تنامي قوة التنظيم الإرهابي، وظهور مؤشرات تدعو للاعتقاد بأن داعش قد يرتد على تركيا، وربما بأسرع مما يُظن.

السعودية: غرقت في المستنقع اليمني، لا هي قادرة على التقدم ولا هي قادرة على التراجع... عاصفة الحزم باتت عبئاً على الرياض إلى جانب كونها كارثة على اليمن واليمنيين ... والحصار المضروب على اليمن، بدأ يأكل من صورة المملكةومكانتها ... لا أهداف تحققت حتى الآن، والحرب تنتقل إلى الداخل السعودي، ولا أفق منظوراً لمشروع سياسي لحل الأزمة اليمنية، أما “استعادة الأمل” فقد تحولت إلى مادة للتندر عند اليمنيين، بمن فيهم أصدقاء الرياض وحلفائها.

الأردن: ما زال من حيث الجوهر على مقاربته الدفاعية في التعامل مع جنوب سوريا، انتقل من الدفاع الساكن إلى الدفاع المتحرك في الآونة الأخيرة، لكن رهاناته على “المعارضة المعتدلة” لم تصمد طويلاً، وهي لم تصمد على أية جبهة على أية حال، والأردن من قبل ومن بعد، لم يقطع “شعرة معاوية” مع دمشق حتى الآن، وهو من بين الدول المرشحة لعضوية التحالف الرباعي، يبدو أكثرها “انفتاحاً” على فرص الحل السياسي، فلا أجندة أردنية في سوريا، خارج الإطار الدفاعي، بخلاف الحال في كل من تركيا والسعودية.

أما سوريا، فإن التعب والإنهاك بدآ يتسربان إلى عروق الأطراف المتحالفة، وحالة المراوحة والكر والفر، أخذت تميز جبهات القتال ومحاوره ... والرهان على الحسم العسكري يتراجع عن جميع الأطراف، وخيارات السوريين تنحصر بين حل سياسي توافقي أو تقسيم وفوضى مفتوحة حتى إشعار آخر.

لماذا هذه الدول الأربع، هي المستهدفة بالتحالف بموجب المبادرة الروسية؟ ... هل لأنها دول جوار، بالطبع لا، فالسعودية بعيدة نسبياً والعراق ولبنان غير مشمولين بها ... هل لأنها دول سنيّة، ربما فموسكو استثنت إيران، صديقتها إن لم نقل حليفتها، على أن يكون لها ولغيرها أدوار في مراحل لاحقة؟ ... المؤكد أن المبادرة الروسية مصممة لمخاطبة خصوم النظام الأقوياء، وتحويلهم إلى جزء من الحل بعد أن كانوا جزءاً من المشكلة ... في هذا السياق، جرى استبعاد قطر، والسبب ببساطة أن لا أهمية لدور قطري بذاته، قطر تستمد دوها من تحالفها مع إحدى الدول الإقليمية الكبرى: تركيا أو السعودية أو كلتيهما.

مبادرة موسكو ومفاجأة العربي، تأتيان على وقع القلق الدولي المتعاظم بعد أحداث”الجمعة السوداء”الممتدة من تونس للكويت، مروراً بليون الفرنسية وانتهاء بالحرب المفتوحة على مصر ... العالم بات أكثر إدراكاً لخطورة “اللعب بورقة الإرهاب”، حتى الدول التي صمتت وتواطأت ووظفت، باتت هدفاً لـ “الذئاب المستوحدة” ... مجلس العموم البريطاني يناقش إمكانية توسيع نطاق على داعش إلى الداخل السوري، وفرنسا الأكثر قرباً من العواصم الداعمة لداعش والنصرة، تبدو الهدف المحبب للإرهابيين على اختلاف جنسياتهم.

وغير بعيد عن هذه العواصم، تشهد فيينا أهم – وربما آخر – جولة من المفاوضات حول برنامج إيران النووي، وسط ترجيحات بتوقيع الاتفاق في غضون أيام، وهو تطور سيغير قواعد اللعبة – Game Changer – في الإقليم برمته ... وسيوفر لإيران بوابات ونوافذ أوسع للحضور في مختلف ملفات المنطقة وأزماتها.

بلغة “التحليل الموضوعي” تبدو معجزة فلاديمير بوتين ومفاجأة نبيل العربي، مؤشران على اتجاه تطور المواقف والسياسات للدول المعنية ... لكن “التحليل الموضوعي” وحده لا يكفي لإطلاق العنان للتقديرات المتفائلة دائماً ... ففي منطقة تبدو مواقف دولها وتحالفاتها، كرمالها المتحركة، يصعب البناء على “التحليل” مهماً كان “موضوعياً”، ومهما كان صلباً.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من «معجزة بوتين» إلى «مفاجأة العربي» من «معجزة بوتين» إلى «مفاجأة العربي»



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 10:12 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 00:18 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 24 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:00 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 03:08 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انخفاض قياسي في عدد الوافدين الأجانب إلى تركيا

GMT 18:58 2022 السبت ,12 شباط / فبراير

طُرق استغلال المساحة في الحمام الصغير

GMT 11:57 2013 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

أمسية للشاعر أحمد الصويري في اتّحاد كتّاب الشارقة

GMT 13:59 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العقرب الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:04 2023 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان سامو زين يعود للسينما بعد غياب 17 عاماً

GMT 10:33 2013 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيراري" تعلن عن المحركات القادمة للسيارات الفائقة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon