مراجعات حماس

مراجعات حماس

مراجعات حماس

 لبنان اليوم -

مراجعات حماس

عريب الرنتاوي

ربيع العام 2012، كنا من ضمن وفد يضم 35 شخصية إسلامية قيادية عربية، في رحلة نظمها مركز القدس للدراسات السياسية إلى أنقرة تحت عنوان “دروس من التجربة التركية”، التقى خلالها الوفد بعشرات السياسيين والنواب والأكاديميين والنشطاء الأتراك ... يومها استوقفني سؤال تكرر على ألسنة المشاركين من مصر والمشرق لنظرائهم الأتراك: أين “الإسلام” في كل ما تقولون وتفعلون؟ ... لم نسمع حديثاً عن “أثر الشريعة” في رسم السياسات، أو عن مدى مواءمة القرارات والإجراءات الحكومية مع المرجعية الإسلامية للحزب الحاكم ... يومها جاء جواب المتحدثين الأتراك، سريعاً وموجزاً: كل ما يخدم تركيا هو “إسلام” ومن صلب “الشريعة”.
حدث ذلك، قبل أن تضرب “الموجة الأردوغانية” مبادئ الحزب ومنهجيته في مقتل ... قبل أن تتسرب “المفاهيم” الدينية والمذهبية التفتيتية إلى ذلك الخطاب، وقبل أن تبدأ “تركيا العدالة والتنمية” بتسجيل تقارير شبيهة بتلك التي ألفناها في العالم العربي، عن تراجع الحريات وانتهاك حرية الصحافة وملاحقة القضاء وتصفية الخصوم، بطريقة “عالمثالثية” بامتياز.
مناسبة هذا الحديث، ليس العودة إلى تقييم التجربة التركية ... بل ما قرأناه وسمعناه عن “مراجعات” ستنكب حركة حماس على إجرائها لتقييم مواقفها في سنوات الربيع العربي، وإعادة رسم مواقفها وسياساتها حيال موضوعات إشكالية كقضية “التفاوض” مع إسرائيل، فضلاً عن قراءة خريطة تحالفاتها الوطنية والإقليمية ... واللافت في الأخبار المتداولة عن أمر هذه المراجعات، أنها شددت على توجه الحركة لمعرفة “مدى مواءمتها” لأحكام الشرع والشريعة، انسجاماً على ما يبدو، مع ما قاله الدكتور موسى أبو مرزوق عن “عدم تعارض” التفاوض مع إسرائيل مع أحكام الشريعة.
المراجعات مهمة وضرورة بين الحين والآخر، وأن تقدم حماس على إجراء مثل هذه المراجعات، فهو دليل عافية وليس علامة ضعف، والمأمول أن تقوم السلطة والمنظمة وبقية الفصائل، بمراجعات شبيهة، هذا ديدن الحركات الحيوية النابضة بالحياة، بيد أن ذلك كله، لا يمنع من تسجيل بعض الملاحظات التي نراها إسهاماً شخصياً، ومن موقع الحرص، في المراجعات التي ستجريها الحركة، والتي نأمل ألا تنتهي كدأب مراجعات فلسطينية سابقة بعبارة: “جاءت التطورات لتثبت صحة توجهاتنا وسياساتنا ومواقفنا وممارساتنا”؟!
أولى هذه الملاحظات وأهمها، أن كل ما يخدم الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية وبرنامجه الوطني وحقوقه الثابتة في العودة وتقرير المصير وبناء الدولة واسترداد العاصمة، هو من صلب “الشرع والشريعة” ... لا مجال هنا للي عنق الحاضر وتكبيله بمواقف وتجارب “قَبْلية”، المطلوب تطويع النص وإعادة انتاجه، بما يخدم المصلحة العامة حصراً، لا تقزيم المصلحة أو إعادة تعريفها لتنسجم وتتواءم مع قوالب جامدة ومنهجيات لا تاريخية.
ثانيها، أننا نريد لحماس أن تستمر في القبض جمر الحقوق الوطنية الثابتة لهذا الشعب ... نريدها معتدلة من دون إفراط ولا تفريط، لا نريد لحماس أن تصبح نسخة أخرى، عن أي من الفصائل التي انخرطت في العمل الوطني الفلسطيني وقادته ... لا مصلحة في أن يصبح الشعب الفلسطيني بمختلف قواه، شديد “الاعتدال”، إسرائيل ليست كذلك، ونحن لسنا كذلك بالمطلق، ولا نريد أن نكون.
ثالثاً: تقتضي المصلحة العليا للشعب الفلسطيني، تعميق “المكون الوطني الفلسطيني” في خطاب الحركة، على حساب “المكون الديني”، وصياغة استراتيجية وطنية من منظور مصلحة الوطن والقضية، لا من منظور حسابات “الجماعة” ... مثل هذا الأمر، لا يعني كما يقول بعض “المتربصين” بأنه يتعين على الحركة تقطيع كافة أواصر العلاقة مع “الجماعة الأم”، هذا غير مطلوب وغير ممكن، المطلوب، تسخير طاقات الجماعة لخدمة القضية الوطنية، وليس العكس، وحماس وقعت بعد سقوط نظام مرسي تحديداً، في هذا “المطب”... هذا التوجه العام، تتناسل منه وتتوالد، جملة مواقف واستراتيجيات، تتعلق بالمصالحة والشراكة واحترام المكونات الأخرى، وتغليب العام على الخاص.
رابعاً: بعد سبع سنوات من حكم القطاع منفردة، يتعين على حماس، أن تراجع “المكوّن المدني – الديمقراطي” في خطابها ... التجربة تقول إن حماس لم تنشئ “إمارة طالبانية” في غزة، بيد أنها لم تقترب في ممارستها للحكم، حتى من تجربة حليفها التركي، وفي أسوأ مراحل حكمه، وليس في مرحلة صعوده المبهرة التي امتدت لعقد من الزمان، قبل أن تعود تركيا للتعثر بـ “تسونامي” سوريا والعراق والربيع العربي ... فترة حكم حماس في غزة، لم تكن “قصة نجاح” لنموذج حكم إسلامي منفتح على الحرية والتعددية والديمقراطية ومنظومة الحقوق والواجبات ... وهنا لا ينفع أن أي تبرير من نوع “المقاومة” و”الظرف الخاص” و”الحصار” و”المؤامرات” وغير ذلك من أعذار ومبررات، لطالما رددها حكام عرب في معرض تسويقهم لحربهم على الديمقراطية وحقوق الإنسان.
خامساً، في التحالفات الإقليمية والدولية، على حماس أن تراجع بشفافية وصدق، وبالاستناد إلى ما تقوله هي عن نفسها، تجربة علاقاتها مع مصر، قبل وبعد وأثناء حكم الإخوان، وكذا الحال مع سوريا وقطر وتركيا ... على حماس أن تبرهن “تؤصل” لنظريتها في التحالفات والمحاور، وتستوقفنا هنا التصريحات المتكررة للدكتور محمود الزهار عن رفض الانخراط في أي من المحاور، وبصورة توحي بأن الرجل يحاول تصحيح ما وقعت به الحركة من أخطاء، يدفع ثمنها اليوم، شعب فلسطين في سوريا ومصر وغزة بشكل خاص... مراجعة هذا الملف، تبدو ضرورية كذلك، لغايات تصفية ذيول نظرية “الاستقواء بالخارج” التي تفشت على الساحة الفلسطينية ولم تكن حركة حماس براء منها.
خمسة عناوين كبرى، تندرج تحت كل واحد منها، جملة من العناوين الفرعية، التي أحسب أنه يتعين على حماس، أن تدخلها في حسابات المراجعة، حتى لا تنتهي “وقفات تاريخية” من هذا النوع، بلا فائدة، أو تؤول إلى مجرد إجراءٍ شكلي، الهدف منه مرة أخرى “البرهنة على صحة توجهاتنا السابقة”.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مراجعات حماس مراجعات حماس



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 14:50 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

حافظ على رباطة جأشك حتى لو تعرضت للاستفزاز

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:44 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

المكاسب المالية تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 09:57 2022 الخميس ,21 تموز / يوليو

انتصار لبناني جديد...

GMT 19:28 2021 الأربعاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لتنسيق المكتب مع غرفة الجلوس بطريقة جذابة

GMT 05:31 2018 السبت ,29 أيلول / سبتمبر

حصاد مر
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon