سيناريو «حفر الباطن 2»

سيناريو «حفر الباطن 2»

سيناريو «حفر الباطن 2»

 لبنان اليوم -

سيناريو «حفر الباطن 2»

عريب الرنتاوي

ثمة ما يشي بأن “شيئأ ما” يجري إعداده في غرف مغلقة، لتجاوز الاستعصاء في الحرب على داعش، فبعد أكثر من شهرين على بدء استهداف التنظيم بالغارات الجوية والصواريخ، لا يبدو أن تغيراً قد طرأ على الأرض، بل على العكس من ذلك تماماً، فقد حقق “داعش” اختراقين” على جبهتي الأنبار و”كوباني”، وربما يكون في طريقه لتحقيق اختراق ثالث، البعض يرجحه في بغداد ذاتها، والبعض الثاني، يراه  شمال لبنان، فيما البعض الثالث يقترح الجبهتين معاً، جرياً على عادة التنظيم المعروف بحروبه في عدة دول وعلى عدة محاور وجبهات.
الغرب -وتحديداً الولايات المتحدة- لا يريد الانزلاق إلى حروب برية، وآخر ما يرغب الرئيس أوباما  أن يراه على شاشة الـ”سي إن إن”، هو صورة رجل القاعدة، فارع الطول، طليق اللسان بالإنجليزية، ينحر جندياً أمريكياً، ويقطّع أوصاله ... أما “المتحمِّسون العرب” لاستئصال النظام السوري، بذريعة استئصال “داعش” وفي الطريق إلى هذا الهدف، فلن تتعدى مساهماتهم في الحرب البرية القادمة -إذا اندلعت-، ما سبق لهم تقديمه في “حفر الباطن”: وحدات خاصة رمزية، ومعسكرات على الخطوط الخلفية ترفع أعلام الدول المشاركة، لا أكثر ولا أقل.
الدولة الوحيدة المرشحة للقيام بالدور الضارب في البرِّ وعلى الأرض، هي تركيا المتحفزة لإسقاط الأسد، والتي ترى في نظامه، واستتباعا في الكيان الكردي السوري الناشئ، تهديداً أشد لأمنها واستقرارها من التهديد الذي تشكله “داعش”، وهذا ما يفسر إجماع الروايات، على أن تركيا تورطت في دعم التنظيم، وربما لا تزال تمده بشرايين التغذية المتعددة حتى اليوم، برغم كل الضغوط والانتقادات والإدانات.
لكن تركيا، أوضحت أكثر من مرة، أنها لن تذهب وحدها إلى الحرب في سوريا، حتى أن أردوغان اعتبر دعوة من هذا النوع، “مؤامرة على تركيا”، أنقرة تريد مظلة دولية وإقليمية لإنجاز هذا الاستحقاق ... وبالنظر لصعوبة الاستحصال على قرار من مجلس الأمن بفعل الفيتو الروسي – الصيني المشترك، الواقف بالمرصاد لأية محاولة من هذا النوع، فإن أنقرة قد تقبل ما هو دون ذلك: قرار أمريكي، مؤيد من التحالف الدولي والحلف الأطلسي، ومدعم بمشاركة عربية، ولو رمزية، في الحرب البرية القادمة، والتي ستفضي من ضمن ما ستفضي إليه، إلى تشكيل منطقة عازلة على امتداد الحدود السورية – التركية، وربما بعمق يزيد عن أربعين كيلومتراً بحد أدنى، وقد يتطور على طريقة “سلامة الجليل”، فتتوغل القوات في سياق المعركة إلى العمق السوري.
جملة من العقبات تحول دون اللجوء إلى هذا السيناريو من بينها: (1) أن واشنطن، بخلاف أنقرة، ترى أن “داعش” خطر مقدم على الأخطار التي يمثلها نظام الأسد، وأن الأولوية في الحرب المقبلة، هي لاستئصال هذا التنظيم، وليس لإسقاط الأسد ... (2) إن إيران، ومن خلفها روسيا والصين، لن تقف مكتوفة الأيدي حيال سيناريو كهذا، وأنها ستعمل ما بوسعها لتنغيص حياة الأتراك، والمس بمصالحها ... حتى الآن، لا ندري ما الذي بمقدور إيران أن تفعله لتنفيذ تهديداتها لتركيا، بيد أننا متأكدون، من أنها ستفعل شيئاً ... (3) باستثناء قطر، فإن جميع الدول العربية المنخرطة في التحالف، لا تخفي مخاوفها من الدور التركي في المنطقة، وهي وإن كانت تتفق مع أنقرة على وجوب الخلاص من نظام الأسد،  فإنها تختلف معه، حول الموقف من نظام السيسي، وجماعة الإخوان المسلمين والأزمة الليبية، وربما ملفات أخرى مفتوحة.
قطر التي لا تخفي “حلفها الاستراتيجي” مع تركيا، تسعى في تجسير الفجوات وتبديد المخاوف، بين الرياض وأنقرة، صحيح أن علاقاتها مع السعودية، ما زالت بحاجة لوسطاء ووساطات، إلا أن الدوحة تسعى في جمع أوسع ائتلاف ممكن من الدول المنضوية في محوري القاهرة – الرياض مع محور الدوحة – أنقرة، لمواجهة الاستعصاء السوري على أقل تقدير، لسان حال الأمير القطري في لقاء المفاجئ مع العاهل السعودي يقول: “إن كان التحالف سيؤمن استئصال داعش، فنحن نقترح عليكم حلفاً يسعى في استئصالها وإسقاط الأسد”، فدعونا نحيّد خلافاتنا لبعض الوقت للتفرغ لهذا المهمة الجسيمة وتحقيق هذا الهدف المشترك، وبعد ذلك لكل حادث حديث”.
لا ندري إن كانت السعودية ستستجيب لهذا المسعى وتتقبل هذا الطرح، لكن هناك بعض المؤشرات الدالة على أن الباب ليس مغلقاً في وجه احتمال كهذا ... فالسعودية شنّت هجوماً غير مسبوق على “الاحتلال” الإيراني لسوريا، واعتبرت الأسد فاقد الشرعية وسببا في المشكلة لا عنصراً في الحل، كما رأته عنصرا محفزا على نشؤ داعش وانتشارها وتعاظم نفوذها، جاء ذلك في أعقاب “أسبوع عسل” أعقب لقاءات إيرانية – سعودية، تكاثرت في ضوئه التقديرات المتفائلة باقتراب لحظة التعاون السعودي – الإيراني على حل مشكلات المنطقة، من اليمن حتى لبنان، مروراً بالعراق وسوريا.
وهناك مؤشرات أخرى دالة على احتمال سلوك المنطقة لمثل هذا السيناريو، منها الاستجابة القطرية الخجولة لمطلب إبعاد عدد من قادة الإخوان المسلمين عن الدوحة، وأمس نشرت السفير اللبنانية خبراً يتعلق بإقدام أنقرة على طلب “تجميد” أو تقليص أنشطة قادة جماعة الإخوان المسلمين العرب المتواجدين على أراضيها، توطئة لمسعى وفاقي مع السعودية ومصر والإمارات ... هذه المؤشرات لا يمكن المرور عليها مرور الكرام.
تركيا تراهن على عامل الوقت لإقناع الإدارة الأمريكية بأنه لا مناص من القبول بالشروط التركية للانضمام للحرب على “داعش”، وكذا الدول العربية والأجنبية المنضوية في الائتلاف ... تركيا تراهن على “انتصارات داعش”، من أجل تعظيم الفوائد والمكاسب التي ستجنيها جراء دخولها في حرب على سوريا، تتطلع وتتشوق إليها وتستعجلها!!
على أية حال، دعونا لا نستبق الأحداث ونغرق في التوقعات، لكن التطورات المتلاحقة في المنطقة، تعظم يوماً بعد آخر، احتمالات اللجوء إلى “سيناريو حفر الباطن 2”، وهو سيناريو يفترض تحالفاً تركياً– قطرياً مع بعض أو جميع عواصم “الاعتدال” العربي، لتدشين مرحلة الحرب البرية على “داعش” و”الأسد” في الوقت ذاته، إن لم يكن وصولاً لدمشق، فأقله لبناء مناطق عازلة شمالية وجنوبية، وتمكين المعارضة المسلحة في هذه المناطق المحظورة على طيران النظام التحليق فوقها، تمهيداً لحل سياسي أو عسكري يُخرج الأسد من عرينه، وإن بعد حين.
وقد لا يكون مستبعداً أن نرى قريباً “تحالف حفر الباطن 2”، وقد جمع رايات تركيا وعدد من الدول العربية والغربية في نقطة على الحدود التركية مع سوريا... أما المعارك الحقيقية في الداخل السوري، فستكون من نصيب الجيش التركي، وثمة في قصر “شنقايا” من يبدو متحمساً لقرع طبول هذه الحرب، ولا ينقصه سوى أعلام الدول الحليفة والصديقة.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيناريو «حفر الباطن 2» سيناريو «حفر الباطن 2»



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:56 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 09:59 2024 الخميس ,26 أيلول / سبتمبر

أبرز العطور التي تتناسب مع أجواء الخريف

GMT 06:09 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

تقرير يكشف فوائد السمسم على صحة الجسم والبشرة

GMT 09:33 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نانسي عجرم تتألق بصيحة الجمبسوت الشورت

GMT 10:11 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

النواب الجدد

GMT 13:30 2016 الخميس ,01 كانون الأول / ديسمبر

"التكنولوجيا المريضة" آخر ما حرّف في كرة القدم

GMT 06:51 2012 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

700 جهاز كل دقيقة مبيعات "آي فون" في الصين

GMT 12:55 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

الجمعيات والمرافق الرياضية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon