الصراع في الإقليم وعليه

الصراع في الإقليم وعليه

الصراع في الإقليم وعليه

 لبنان اليوم -

الصراع في الإقليم وعليه

عريب الرنتاوي

للوهلة الأولى، يبدو للناظر من بعيد، أن إقليم كردستان العراقي، قد نجح في تحصين نفسه من الأمراض التي عصفت بدول ومجتمعات عربية عديدة، دفعت جراءها أفدح الأثمان ... لكن قراءة متأنية للمشهد الداخلي في الإقليم، والصراع الإقليمي من حوله وعليه، تظهر بما لا يدع مجالاً للشك، أن “فيروس” المرض قد بلغ مأربه، وأن مستقبل الإقليم برمته، رهن بنتائج الصراع بين “جهاز المناعة الكردية المكتسبة” و”الفيروس” شديد الخطورة.

لا نعلم متى ستجري الانتخابات الرئاسية المقبلة في الإقليم ... حكومته حددت العشرين من آب / أغسطس المقبل موعداً لإجرائها، والمفوضية المستقلة للانتخابات، ترى أن الوقت المتبقي قصيرٌ للغاية، ولا يتيح لها اتخاذ ما يلزم من إجراءات وتحضيرات، وقد تحتاج لبضعة أشهر إضافية، قبل أن تكون على أتم الاستعداد للتعامل مع هذا الحدث.

لكن السجال المحتدم في أوساط النخب السياسية والحزبية والبرلمانية الكردية، يتخطى حكاية الموعد والإجراءات ... فهناك جبهة من ثلاثة أحزاب رئيسة، تطالب بتغيير النظام السياسي المعمول به، من رئاسي إلى برلماني (بخلاف ما يطمح أردوغان لتحقيقه في بلاده) ... وهي فضلاً عن ذلك، تعارض ترشح رئيس الإقليم مسعود برزاني لولاية ثالثة، وهو الذي استنفذ ولايتين كاملتين، ومُدد له سنتين إضافيتين، تنتهيان في آب/ أغسطس القادم.

ثمة خشية في أوساط الأحزاب الثلاثة: الاتحاد، التغيير والإسلامي، من أن تتحول كردستان إلى الديكتاتورية ... والتي عادة ما تبدأ بتمديد الولايات وزيادة عددها، بعد إجراء تعديلات دستورية طارئة وعلى عجل، يجري في نهايتها “تصفير العداد” على منهج الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، ليبدأ الزعيم شوطاً جديداً في مشوار “التجديد” و”التمديد”، وهذا ما تشير إليه نوايا الرئيس وحزبه الأكبر: الحزب الديمقراطي الكردستاني.

على أن مؤشرات التحوّل للديكتاتورية لا تتوقف عند “التجديد والتمديد”، بل تتخطاها إلى “الضلع الثالث” من هذا “الثالوث” غير المقدس الذي ضرب العالم العربي، وأعني به “التوريث”، إذ ثمة سيناريوهات يجري تداولها عن إمكان تولِيَة نجل الرئيس مسرور البرزاني رئاسة الإقليم، خلفاً لوالده في حال تعذر عليه انتزاع الولاية الثلاثة “ونصف”، في مؤشر آخر على أن “ربيع العرب” لم ينه بعد، عصر “الجملوكيات”، أو الجمهوريات الوراثية، وبصورة تذكر بما حصل في ليبيا والعراق وسوريا واليمن، حيث يبدأ الرئيس بإعداد أنجاله لخلافته، بدءاً بتوليتهم أهم وأخطر المناصب الأمنية، كما هو الحال مع نجل رئيس الإقليم.

ويزداد الصراع على الرئاسة وهوية النظام السياسي في كردستان، جدية وضراوة، إذ يتداخل مع التحولات في الإقليم المحيط به، وصراع المحاور والمعسكرات المتنافسة ... فالرئيس بارزاني، نجح في نسج علاقات وطيدة مع تركيا زمن العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان، مقابل علاقات تاريخية وطيدة نسجها منافسه الاتحاد الوطني برئاسة مام جلال الطالباني، مع إيران، كما أن حركة التغيير وبعض إسلاميي كردستان، لا يخفون قلقهم من التغلغل التركي في شؤون إقليميهم، وربما لهذا السبب أيضاً، يأتلفون مع الاتحاد الوطني في السعي لتغيير هوية النظام ومنع الولاية الثالثة عن رئيس الإقليم.

وقد انعكست”حروب المحاور” على مواقف الأطراف الكردية المختلفة، من الانتخابات التركية الأخيرة، والتي تميزت بظهور “قطب كردي” وازن في الحياة السياسية التركية بزعامة صلاح الدين ديمرطاش، ففي الوقت الذي لم يخف فيه حزب الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين الأكراد، تأييدهم لرجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، لم يتردد زعماء الأحزاب الأخرى عن دعم حزب الشعوب الديمقراطي ذي الغالبية الكردية، على اعتبار أن نجاح هذا الحزب في كسر حاجز العشرة بالمائة، من شأنه أن يضع حداً لأطماع أردوغان الإمبراطورية، ويضعف حليفه الرئيس في الإقليم: الرئيس وحزبه.

لقد أظهر أكراد العراق، صلابة وتلاحماً استثنائيين في مواجهة التهديدات الخارجية، وتحديداً في صراعهم مع النظام المركزي في بغداد زمن صدام حسين وحزب البعث، وفي مرحلة الثلاثي الشيعي المهيمن على مقاليد الحكم في مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ... لكن على الدوام، كانت الخلافات الداخلية، وصراعات الأجنحة والتيارات والأحزاب الكردية فيما بينها، عامل تهديد “مُضمر”، قد تفضي إن خرجت عن السيطرة، إلى تبديد مكاسب الإقليم وتعريض منجزاته لأفدح الأضرار ... ولقد رأينا في أواسط التسعينات من القرن الفائت، كيف جرى الاستعانة ببغداد، على الرغم من حدة العداء المستحكم مع نظام الرئيس صدام حسين، في حسم الصراع الداخلي بين قطبي الحركة الوطنية الكردية.

ولا أحسب أن الحركة الكردية السورية، ستكون بمنأى عمّا يواجه إقليم كردستان من تحديات وانقسامات داخلية ... فثمة صراع مضمر بين الاتحاد الكردستاني بزعامة صالح مسلم، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البرزاني، فالاتحاد في موقفه من تركيا والعدالة والتنمية، أقرب لمواقف خصوم أربيل في السليمانية وغيرها ... وهو وإن كان لا على علاقة مع طهران، إلا أنه ليس محسوباً عليها، حتى أنها تبادله نظرات الشك والربية والتوجس ... والمؤكد أن مستقبل الحركة الكردية في شمال سوريا، يزداد ارتباطاً وتبعية لمستقبل الصراعات داخل الإقليم في شمال العراق، وسيتأثر من دون شك، بالتطورات داخل تركيا مع تراجع نجم أردوغان وحزبه وصعود نجم ديمرطاش و”الشعوب الديمقراطي”، فضلاً عن مالآت التنازع بين تركيا وإيران في إطار حرب المحاور والمعسكرات المتقابلة.

وأخيراً، كاد الظن يأخذنا للقول بـ “فرادة” النموذج الكردي، لكن يبدو أن الأشقاء الكرد قد “تعربوا” بأكثر من اللازم، حتى صرنا “كلنا في الهم شرّق”، إذ كلما اقتربنا أكثر من إرساء قواعد الديمقراطية كلما استعجلنا في تظهير “طبائع الاستبداد” لدى زعمائنا ... وكلما اقتربنا من الاستقلال الناجز، كلما شرّعنا أبوابنا ونوافذنا للتدخلات الإقليمية والدولية ... كان الله في عوننا.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصراع في الإقليم وعليه الصراع في الإقليم وعليه



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 10:12 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 00:18 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 24 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:00 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 03:08 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انخفاض قياسي في عدد الوافدين الأجانب إلى تركيا

GMT 18:58 2022 السبت ,12 شباط / فبراير

طُرق استغلال المساحة في الحمام الصغير

GMT 11:57 2013 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

أمسية للشاعر أحمد الصويري في اتّحاد كتّاب الشارقة

GMT 13:59 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العقرب الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:04 2023 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان سامو زين يعود للسينما بعد غياب 17 عاماً

GMT 10:33 2013 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيراري" تعلن عن المحركات القادمة للسيارات الفائقة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon