«دورية استطلاع» فرنسية في دمشق

«دورية استطلاع» فرنسية في دمشق

«دورية استطلاع» فرنسية في دمشق

 لبنان اليوم -

«دورية استطلاع» فرنسية في دمشق

عريب الرنتاوي

تكتسب زيارة الوفد البرلماني الفرنسي إلى دمشق أهمية خاصة... أولاً؛ لأنها الأولى من نوعها منذ اندلاع الأزمة السورية قبل أربع سنوات... وثانياً؛ لأنها تأتي من فرنسا، الدولة الغربية الأكثر “تطرفاً” في عدائها للنظام السوري، والمنخرطة أكثر من غيرها في العمل على إسقاطه، وبكل ما أوتيت من سبل ووسائل ... وثالثاً، لأنها تأتي في حمأة التقارير الغربية التي تتحدث عن “مراجعات” تجريها أكثر من دولة أوروبية لسياساتها السورية، تتجه بها إلى فتح قنوات اتصال أمنية مع دمشق وربما فتح السفارات وتفتيح قنوات الاتصال السياسي والدبلوماسي في وقت لاحق ... ورابعاً، لأن زيارة من هذا النوع وعلى هذا المستوى وفي هذا التوقيت بالذات، ما كان يمكن إتمامها من دون ضوء أخضر من “الإليزيه”.
لكل هذه الأسباب، استحقت الزيارة الاهتمام، واستثارت القلق: قلق المعارضة السورية التي قال أحد أركانها “خلصنا” في تعليقه على الزيارة والزائرين ... وقلق “نادي أصدقاء سوريا” الذي لعبت فرنسا دور “حجر سنمار” في مبناه وهيكليته ... والأهم، قلق أطراف عربية وإقليمية، ما زالت تمتطي صهوة موجات التصعيد العالية، لحسابات ومصالح أخرى، ليس من بينها حسابات الشعب السوري وتطلعات أبنائه.
الناظر في أمر الزيارة، لا بد يربطها من حيث الدلالة والتوقيت، بما جرى في باريس من اعتداءات إرهابية ضد “شارل أبيدو” وما أعقبها وتلاها، وصولاً لعواصم أوروبية أخرى ... أوروبا برمتها، وليس فرنسا فحسب، باتت تحت مرمى الإرهاب المنفلت من “عقالاته” السورية والعراقية، كما أنها باتت قبلة لعشرات ألوف المهاجرين غير الشرعيين، الذين يتحولون إلى عبء أمني وثقافي واقتصادي على القارة العجوز ... ومن كان من الفرنسيين أو الأوروبيين، يملك “ترف الانتظار” واللعب على وتر “إطالة أمد الأزمة السورية” بالأمس، لم يعد كذلك اليوم، ومن قضى أشهراً وسنوات في عدّ الأيام الأخيرة للرئيس السوري، سئم من العد، وبات يجنح لتغيير الوجهة والاتجاه.
والحقيقة أن فرنسا – واستتباعاً أوروبا -ليست وحدها من قرر استحداث هذه الاستدارة في الموقع والموقف، الولايات المتحدة، يبدو أنها سبقت الجميع على هذا الطريق، فما هو مؤكد من معلومات لا يرقى إليها الشك، أن ثمة اتصالات أمنية، مباشرة ورفيعة المستوى تجري بين واشنطن ودمشق بوساطة دولة ثالثة ... والمؤكد أن تبادلاً للمعلومات وتنسيقاً للخطوات الميدانية بين جيوش التحالف، ومن ضمنها الجيش الأمريكي والسلطات السورية، يجري بوساطة عراقية وأحياناً إيرانية معلنة ومكشوف عنها، كما ان واشنطن لم تتردد في إبلاغ دمشق نيتها توجيه ضربات لـ “داعش” على الأراضي السورية، قبل أن يشرع طيران الحلفاء في تنفيذ هذه الهجمات.
فرنسا التي صعدت إلى قمة أعلى شجرة في نزاعها مع دمشق، قررت بدء الهبوط التدريجي، يحفزها إلى ذلك ما يتوفر لديها من معلومات عن قرب التوصل إلى صفقة مع إيران حول برنامجها النووي، واستتباعاً حول مختلف الأزمات الإقليمية، التي “صادف” أن لإيران دورا مقررا فيها ... هي جربت ملء الفراغ الرئاسي في لبنان، لكنها اصطدمت بحقيقة أن لبنان يُدار من طهران كذلك، وليس من الرياض فقط ... وهي قررت أن تلعب دور “الشريك المخالف” في مفاوضات طهران مع مجموعة “5 + 1”، بيد أنها اكتشفت بعد حين، أنها قد “تخرج من المولد من دون حمص” ... وهي تكابد الآن في تحصين جبهتها الداخلية ضد خطر الإرهاب، لكنها تدرك أن كثيرا من مفاتيح خزائن المعلومات والاستخبارات، موجودة في جيب الأسد، وأن عليها أن تتقرب منه كثيراً لكي تحصل على مرادها.
نحن إذن، إمام “دبلوماسية برلمانية” يعرف العالم أنها تقوم بدور “البلدوزر” لفتح الطرق وتكسير الجليد أمام الدبلوماسية الرسمية، وما فعله البرلمانيون الفرنسيون في دمشق، يندرج في هذا السياق، وفي هذا السياق فقط... إنهم رجال “دورية الاستطلاع” التي تسبق الجيوش عادة، عندما تدخل أرضاً غير صديقة .
على أن طريق فرنسا للاستدارة الكاملة أو الواسعة، ما زال شاقاً وطويلاً، فهناك حلفاء أقوياء لباريس لا يريدون لها أن تغادر مربع “مواقفها المتطرفة”، فهم استقوا بها وهي استقوت بهم ... وهناك أيضاً “جماعات الضغط” اليهودية وغير اليهودية، التي تريد لفرنسا والغرب عموماً، أن يظل على مواقفه العدائية حيال بعد دول المنطقة وأزماتها وحكوماتها ... وقد نسمع خلال الأيام القادمة، أن هذه الزيارة لا تعني شيئاً، وأن باريس ليست بصدد تغيير مواقفها، وأنها ما زالت ترى في الأسد جزءاً من المشكلة لا جزءاً من الحل ... ألم يفعل السيّد الأمريكي ذلك؟ ... ألم يمطرنا مسؤولو الإدارة الأمريكية بالمواقف ونقيضها خلال الأشهر القليلة الفائتة؟ ... أليس إدارة الرئيس الأمريكي هي السبّاقة في إسماع كل طرف ما يرغب في سماعه: تتحدث عن الأسد كجزء من الحل أمام روسيا وإيران، فيما تتحدث عنه كجزء من المشكلة أمام أمير قطر.
خلاصة القول: إن “داعش” نجحت في خلط الأوراق والمواقف والتحالفات والأولويات ... وفي ظني أن الأسابيع والأشهر التي تفصلنا عن الصيف، ستكون حبلى بالمفاجآت، وربما من العيار الثقيل، سوءا في حركة القوى الإقليمية أو على المسرح الدولي.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«دورية استطلاع» فرنسية في دمشق «دورية استطلاع» فرنسية في دمشق



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 10:12 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 00:18 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 24 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:00 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 03:08 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انخفاض قياسي في عدد الوافدين الأجانب إلى تركيا

GMT 18:58 2022 السبت ,12 شباط / فبراير

طُرق استغلال المساحة في الحمام الصغير

GMT 11:57 2013 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

أمسية للشاعر أحمد الصويري في اتّحاد كتّاب الشارقة

GMT 13:59 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العقرب الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:04 2023 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان سامو زين يعود للسينما بعد غياب 17 عاماً

GMT 10:33 2013 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيراري" تعلن عن المحركات القادمة للسيارات الفائقة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon