«الآن هنا، أو شرق المتوسط مرة أخرى»

«الآن هنا، أو شرق المتوسط مرة أخرى»

«الآن هنا، أو شرق المتوسط مرة أخرى»

 لبنان اليوم -

«الآن هنا، أو شرق المتوسط مرة أخرى»

بقلم : عريب الرنتاوي

لست في هذه المقالة، بصدد تناول رائعة الأديب والروائي الكبير عبد الرحمن منيف التي تحمل العنوان ذاته... الآن وهنا، بات شرق المتوسط بؤرة نزاع إقليمي ـ دولي، زادتها احتداما الاتفاقات الأخيرة المبرمة بين أنقرة وطرابلس الغرب، إن لجهة ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية البحرية في طول المتوسط وعرضه، أو لجهة اتفاقات الأمن والدفاع «المشترك»، التي تتيح لتركيا إرسال قوات إلى ليبيا، استجابة لطلب دولة حليفة ـ متعاقدة.
رائحة النفط والغاز، تجتذب اللاعبين من مختلف الأحجام إلى مياه المتوسط وشواطئه... والتنافس على خطوط نقل الغاز إلى مدنه وعبر موانئه، كان من بين الأسباب التي أدت اشتعال الأزمة السورية، واستطالة الأزمة الليبية، وتفاقم الصراع التركي ـ المصري، وتنامي احتمالات اندلاع صراع لبناني ـ إسرائيلي حول حقوق التنقيب في المربعات المرسومة بعناية فائقة.
رائحة النفط والغاز، والتنازع على طرق الأنابيب ومنصات التوزيع، كانت سببا ومحركا لنشوء أحلاف ثنائية (ليبيا وتركيا) وثلاثية (قبرص، اليونان وإسرائيل)، وتشكيل محاور وائتلافات تحت مسميات مختلفة.
«لعبة الأمم» في شرق المتوسط لم تنته فصولها بعد، وشرق المتوسط مرشح لأن يكون ساحة لمواجهات سياسية ودبلوماسية ساخنة، دون أي ضمانات بعدم انفجارها وتحولها إلى الميدان العسكري، فيما ينظر لليبيا بوصفها ساحة ملائمة لتصعيد «حروب الوكالة».

ثقل التاريخ والجغرافيا
يجمع مراقبون كثر، أن «الشهية التوسعية العثمانية» لتركيا، باتت مفتوحة على أوسع نطاق... الأحلام العثمانية، تدفع بحزب العدالة والتنمية إلى تجريب استعادة نفوذ الإمبراطورية حيثما كان الأمر متاحا.
بدأت القصة في العراق وسورية، والمؤكد أنها لن تنتهي في ليبيا. بعض الساسة والمحللين الأتراك، المحكومين بعقد التاريخ وهواجسه، لم يخفوا فرحتهم بالاتفاقات الدفاعية والاقتصادية بين بلدهم وليبيا، بوصفها تصفية لذيول «معاهدة سيفر ـ 1920»، وعملية «تسوية حساب» مع «ظلم التاريخ».
لكن في المقابل، يخطئ من يظن أن تركيا وحدها، تتحمل وزر ارتفاع الحدة في ليبيا وشرق المتوسط. فثمة لاعبون إقليميون ودوليون، أظهروا قدرا هائلا من الرغبة في تجاهل تركيا و»قصقصة أجنحة»، بل إنهم تنكروا تماما لما يمكن اعتباره مصالح مشروعة لأنقرة يتعين أخذها بنظر الاعتبار. فسياسة العزل والإقصاء، لا بد تولّد ردود أفعال غير محسوبة، لا سيما حين يكون الطرف المستهدف بها، دولة بحجم تركيا ومكانتها في المنطقة، دولة أعطتها الجغرافيا والتاريخ، ما لم تعط دولة أخرى من الحوافز الدافعة للتطلع خارج الحدود.
لقد كان واضحا على سبيل المثال، أن مبادرة «منتدى غاز شرق المتوسط» التي انطلقت من القاهرة مطلع العام الفائت، واتخذت منها مقرا لها، استثنت تركيا من عضويتها علما بأنها دولة متوسطية، ومستهلك رئيس للغاز ومنصة لتصدير الغاز الروسي إلى أوروبا، في حين منحت المبادرة الأردن، عضوية تأسيسية فيها، علماً بأن الأردن دولة غير متوسطية، وغير منتجة للغاز.
كما أن المبادرة استثنت كلاً من لبنان وسورية من عضويتها، مع أن الدولتين متوسطيتان وتشير المعلومات إلى توفرهما على دفائن هائلة من الغاز في مياه البحر، وآثرت ضم إسرائيل إليها، الأمر الذي يشفُّ عن رغبة في تشكيل تحالف دولي، يجمع خصوم أنقرة في الإقليم، وبشكل خاص مصر وإسرائيل واليونان وقبرص، في بوتقة واحدة.
قبل مبادرة «منتدى شرق المتوسط»، كان البحر الأحمر يشهد على ولادة مبادرة ليس الغاز من عنوانيها، بل طرق إمداد الطاقة وحرية الملاحة في هذا الممر الحيوي المتمم للملاحة في المتوسط... المبادرة صدرت عن جدة في السعودية، وكان واضحا أن أحد أهم أهدافها هو محاصرة الوجود التركي في هذا الإقليم، بعد أن بدأ يتظّهر في الصومال وجزيرة «سواكن» السودانية.
تركيا الساهرة على ترجمة أحلامها العثمانية، تابعت بقلق وتوتر بالغين، تحركات معسكر خصومها، الرامية على عزلها وإقصائها، إلى أن وجدت ضالتها في الأزمة الليبية، حيث قررت أن ترد الصاع صاعين، وأن تدفع بالصراع في هذه الدولة، إلى حافة الهاوية، متوخية بذلك، ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد: فهي من جهة أولى، تتوخى أن تلعب دور «اللاعب الرئيس» في الأزمة الليبية، في مواجهة مباشرة مع مصر والحلف العربي الداعم للجنرال خليفة حفتر، وبما يضمن لها حفظ مصالحها الممتدة في هذه الدولة، والسابقة لسقوط نظام العقيد معمر القذافي، فضلا عن رغبة أنقرة في الحصول على «حصة وازنة» من السوق الليبية وعمليات إعادة إعمار ليبيا ونصيب ملائم من ثرواتها الهائلة وتحديدا في مجالي الغاز والنفط.
وهي من جهة ثانية، تسعى لاحتلال موقع استراتيجي متميز في الصراع المحتدم على ثروات شرق المتوسط... فإلى جانب وجودها العسكري الكثيف في شمال قبرص، تخطط أنقرة للاحتفاظ بوجود دائم في ليبيا، وتسعى لجذب «تعاطف» عدد من دول شمال أفريقيا وتحديدا تونس التي زارها الرئيس أردوغان على نحو مفاجئ عشية إقرار البرلمان التركي تفويضا بنشر وحدات من الجيش التركي على الأرض وفي المياه والأجواء الليبية، فضلا عن محاولة أنقرة التقرب من الجزائر، التي لا تُخفي تعاطفها مع حكومة طرابلس الغرب في مواجهة ما تسميه «عدوان» الجنرال حفتر عليها.
وهي، من جهة ثالثة، تسعى من خلال امتلاكها أوراقا في ليبيا، للحصول على موقع متميز لها، في مواجهة النفوذ التقليدي لدول أوروبية في ليبيا، وتحديدا إيطاليا وفرنسا. فالعلاقة التركية ـ الأوروبية، تشهد منذ سنوات حالات مد وجزر، ومن يمسك بالورقة الليبية، أو بجزء رئيس منها، ستكون له ميزة نسبية تجاه أوروبا، لا سيما بعد أن تحولت ليبيا إلى مصدر لعدة أخطار وتهديدات، تجابه القارة العجوز، لعل من أهمها تحدي الهجرة غير الشرعية وتهديد الإرهاب.
ويمكن القول من دون تردد، إن ليبيا تتحول شيئا فشيئا إلى واحدة من الأولويات الاستراتيجية في السياسة الإقليمية لأنقرة، لا سيما بعد فشل «مغامراتها» في سورية، وتأزم علاقتها مع دول عربية وازنة، وفتور علاقاتها بإسرائيل والغرب عموما، وتعرض علاقاتها مع موسكو لحالات شد وجذب متعاقبة.
ولعل الأمر اللافت للمراقبين، أن تركيا وفي مسعى لتعزيز حضورها في ليبيا، لم تتردد في سحب مئات المقاتلين السوريين الموالين لها والمحسوبين عليها، عن خطوط التماس مع الجيش السوري في محافظة إدلب وشرق الفرات، والزج بهم على خطوط التماس مع قوات حفتر على تخوم طرابلس الغرب.
أيا كان من أمر، فإن تركيا بـ»مغامرتها الليبية»، تقامر بتصعيد الصراع المحتدم الدائر في ليبيا، وتحيل منطقة شرق المتوسط برمتها، إلى بؤرة دولية متفجرة... واضعة الأطراف الفاعلة والمجتمع الدولي أمام واحدٍ من خيارين اثنين: إما «مقايضة كبرى» تكفل لتركيا مصالحها «خارج الحدود» وتطلعاتها كدولة إقليمية كبرى، وإما مواجهة خطر الانزلاق من حافة الهاوية إلى قعرها، والانتقال من «حروب الوكالة» التي خبرتها تركيا في سورية والعراق، إلى «حروب الأصالة»، حيث ترابط على الأرض وفي الأجواء والمياه الليبية، جيوش عدة دول إقليمية وعربية.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الآن هنا، أو شرق المتوسط مرة أخرى» «الآن هنا، أو شرق المتوسط مرة أخرى»



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد

GMT 13:00 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

رحلة الى عالم أوميجا رؤية استباقيّة لمستقبل صناعة الساعات

GMT 05:00 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أصوات 20 ألف جزائري تحدد مصير جزيرة قرب أستراليا

GMT 21:50 2014 الإثنين ,02 حزيران / يونيو

"إل جي" تكشف رسميًا عن هاتفها "G3"
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon