من البوعزيزي التونسي إلى فلويد الأميركي

من البوعزيزي التونسي إلى فلويد الأميركي

من البوعزيزي التونسي إلى فلويد الأميركي

 لبنان اليوم -

من البوعزيزي التونسي إلى فلويد الأميركي

عريب الرنتاوي
بقلم : عريب الرنتاوي

ما كان للبوعزيزي التونسي أن يدرك بأن النيران التي أضرمها في جسده الهزيل، ستشعل ثورة الغضب في تونس، وسيمتد لهيبها ليطال العالم العربي بأسره...والأرجح، أن جورج فلويد، الرياضي، السجين السابق، والمتعطل عن العمل في زمن الجائحة، ما كان ليخطر له على بال، أن أنفاسه التي لم ينجح في استردادها، ستتحول إلى ألسنة نار ودخان، تغطي سماوات معظم الولايات الأميركية، وتخضع العشرات من مدنها الكبرى، الخارجة لتوها من إجراءات الحظر والتباعد الاجتماعي، لمنع التجوال الإجباري.

لم يحلم محمد البوعزيزي، أنه بفعلته اليائسة تلك، سيسقط زين العابدين بن علي، ومن خلفه رهط من قيادات التمديد والتجديد والتوريث في أنظمة الجنرالات والسلالات الحاكمة والمتحكمة برقاب مئات الملايين من أبناء جلدته...والمؤكد أنه لم يخطر ببال جورج فلويد، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة «على الهواء مباشرة»، في أبشع عملية إعدام خارج القانون، أنه سيجبر رئيس الدولة الأعظم، الأكثر غطرسة وغروراً، بأن يهبط إلى ملجأ تحت الأرض، للاحتماء من الجموع الغاضبة التي أحاطت بالبيت الأبيض وكسّرت أول خطوطه الدفاعية.

لست بصدد المقارنة بين «ربيع عربي» انقضى، و"ربيع أميركي" مفترض...ولست ممن يعتقدون بأن الولايات المتحدة تقف على شفير هاوية من حرب أهلية جديدة، بعد مرور أزيد من مائة وخمسين عاماً على حربها الأهلية الأولى...بيد أنني من المؤمنين بأن الشرارات التي أطلقتها أنفاس فلويد وحشرجاته المكتومة في حلقه، تحت «البسطار» الثقيل للقاتل المدجج بالسلاح والعنصرية، ستشعل حريقاً في وجه العنصرية الأميركية، والتي وإن لم تغب عن «نظرة البعض» و"ممارسة البعض الآخر" هناك، إلا أنها بلغت ذروة غير مسبوقة مع كل تغريدة خطّها الرئيس ترامب على موقع تويتر، وكل تصريح أدلى به في إطلالاته الصحافية التي لا تتوقف.

هي «الشعوبية» في طبعتها «الترامبية» الأكثر استفزازاً وغطرسة، تنهض كخطر على أمن العالم وسلمه واستقراره، وكتهديد للطبيعة والمناخ والحياة على سطح الكوكب وتحت مياهه وفي فضائه، مثلما تنهض كتهديد ماثل للسلم الأهلي والنسيج الاجتماعي للولايات المتحدة...وصدق علماء النفس الأميركيون الذين أجمع 35 من كبارهم، على أن الرجل «مريض»، و"غير مؤهل" لقيادة الولايات المتحدة.كأي حاكم من حكام «جمهوريات الموز»، وأنظمة التوريث والتمديد والتجديد العربية، انبرى ترامب مهدداً بالجيش، وملوحاً بالحزم والعزم، مندداً بتراخي المتراخين، مديناً اليسار الراديكالي، متحدثاً عن «فئة قليلة» اختطفت الاحتجاجات، متوعداً «الأنتيفا» بمصائر "داعش" و"القاعدة"...كأي ديكتاتور بائس، يهدد المتظاهرين أمام «بيته الأبيض»، بأن «الكلاب الشرسة كفيلة بنهشهم» إن هم تجرّؤوا على الاقتراب أكثر من «عرينه»....الرجل المُلام عن كل ما آلت إليه البلاد من جائحة وركود وثورات غضب، لا يكف عن إلقاء اللائمة على غيره، فهو سيّد الـ “Blame Game”، على حد تعبير شبكة “CNN”...الرجل الذي لا تنتهي تغريدة واحدة من تغريداته، إلا بإشعال حرب أو تفجير أزمة أو افتعال نزاع، أو فرض عقوبات على أمة ما، فإن لم يجد من يحاربه، اندفع لمهاجمة «طواحين الهواء»، في استعادة هزلية، بائسة في المبنى والمعنى، لرائعة سرفنتس: «دونكيشوت»...ألا تنتمي حربه على تويتر لهذا الصنف من الحروب والمعارك؟

«الشعبوية» في طبعتها الأكثر ابتذالاً: «الترامبية»، خطر ماحق يتهدد الديمقراطية الأميركية، خطر على الإعلام المستقل والصحافة الحرة، خطر على وسائط التواصل الاجتماعي، خطر على المحكمة الدستورية والنظام القضائي، خطر على التعددية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والحركة النسائية، خطر على الوئام الأهلي وحقوق الأقليات والملونين والوافدين الجدد والأجانب والمهاجرين...أكبر تهديد للولايات المتحدة يأتيها من داخلها اليوم.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من البوعزيزي التونسي إلى فلويد الأميركي من البوعزيزي التونسي إلى فلويد الأميركي



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:49 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 13:56 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 13:06 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

شؤونك المالية والمادية تسير بشكل حسن

GMT 12:37 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

ابرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 16:49 2021 الإثنين ,15 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 11:57 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

لا تكن لجوجاً في بعض الأمور

GMT 14:59 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

عليك أن تتجنب الأنانية في التعامل مع الآخرين

GMT 15:32 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:53 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعد الحريري يتوقع تشكيل حكومته الجديدة مساء الجمعة

GMT 10:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الشمبانزي قادرة على تقييم المخاطر وتحذير أقرانها

GMT 20:51 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

طائرة الجزائر يواجه الكاميرون في الالعاب الأوليمبية 2020
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon