التوازن الدقيق للمعادلة الأصعب

التوازن الدقيق للمعادلة الأصعب

التوازن الدقيق للمعادلة الأصعب

 لبنان اليوم -

التوازن الدقيق للمعادلة الأصعب

عريب الرنتاوي
بقلم - عريب الرنتاوي

يتعين على كل دولة من دول العالم المنكوبة بفيروس كورونا، وكل دول العالم كذلك، أن تجد حلولاً للمعادلة الأصعب التي تواجهها البشرية اليوم: كيف يمكن التوفيق والمواءمة بين ضرورات مواجهة الوباء من جهة، ومقتضيات إدامة العمل والحياة والإنتاج من جهة ثانية؟ ... لا حل مثالياً لهذه المعادلة، ولا وصفة نموذجية أو ثابتة يمكن تعميمها، بل ويمكن القول، أن المعادلة التي ستُحلُّ اليوم بهذه الطريقة أو تلك، سيتعين حلها غداً أو بعد غدٍ بطريقة أخرى.

ضرورات كبح جماح الوباء وقطع الطريق على الجائحة، تقتضي من ضمن ما تقتضي: فرض قيود على التجوال، وتقييد حرية الحركة والانتقال، ووقف العمل في مواقع الإنتاج كثيفة العمالة، والحفاظ على «التباعد الفيزيائي»، وغير ذلك كثير مما يصيب الحياة الاقتصادية والإنتاجية في مقتل.

لكن لديمومة الحياة مقتضياتها الضرورية كذلك، وإلا نكون كمن وفّر «الإسعافات الأولية» لمواطن مصاب، ثم تركناه لمواجهة أكثر الأمراض فداحة وضرراً ... فالبطالة والجوع وقلة ذات اليد، أمراض فتّاكة بدورها، سيما حين تتجاوز معدلات ونسب معينة، وتفشيها يمثل الطريقة الأقصر لخلق بيئة مناسبة لتفشي فيروس الجريمة الفردية والمنظمة، وتعزيز الميل للتجاوز على القانون وغير ذلك كثير مما تبدو مجتمعاتنا في غنى عنه.

لا تستطيع الدولة، أية دولة، أن تحل محل جميع مواطنيها في تأمين المأكل والمشرب، الغذاء والدواء لكل واحد منهم ... لا الموارد المالية على عِظمها تستطيع أن تفعل ذلك، ولا القدرات العملية واللوجستية ستك في لإنجاز هذه المهمة ... المواطنون أنفسهم، معظمهم على الأقل، هم من يتعين عليه فعل ذلك، سيما أن طالت الجائحة واستطالت.

في هذا السياق، يبدو مفهوماً، أن تولي الدولة أهمية استثنائية في الأيام والأسابيع الأولى لكبح جماح الجائحة، وأن تتشدد في إجراءاتها لضبط المشهد واحتواء الكارثة ... لكن ذلك لن يبقى إلى ما شاء الله، فلا بد من خطوات جريئة، ولكن مدروسة، للحفاظ على زخم الحياة وديمومتها ... هذا ما فعلته حكومة الدكتور الرزاز وخلية الأزمة، ويبدو أن الأوان قد حان للانتقال خطوة إضافية على طريق المواءمة: إعادة تحريك عجلة الإنتاج والاقتصاد، بحذر وتدرج لا بأس، ولكن على نحو ثابت ومتصاعد.

هو توزان دقيق بين شقي المعادلة، قد لا يكون ممكناً ضبطه من دون تقديم تضحيات هنا أو هناك ... فالصيغة الأنسب لاحتواء المرض، هي وقف عجلة الإنتاج والحياة بالكامل ... والصيغة الأنسب لتقليص الكلف الاقتصادية والمالية للجائحة، هي القبول بتقديم تضحيات كبيرة من حياة الناس وحيواتهم ... وبين هذين الحدين المتطرفين، يقع التوازن الدقيق بين الحاجة والضرورة ... الحاجة لإدامة عجلة الإنتاج وضرورة مواجهة الوباء.

الدول التي أعطت الأولوية لإدامة حركة المال والأعمال، هي ذاتها الدول التي دفعت أثماناً باهظة من حياة أبنائها وبناتها ... والدول التي تنبهت مبكراً لخطورة الجائحة وخطر تفشيها، نجحت في السيطرة على الفيروس وكبح جماحه ... الأردن من ضمن الفئة الثانية من هذه الدول، ويتعين علينا الآن التفكير بالمرحلة الجديدة التي تنتظرنا.

ستكون الأثمان والتضحيات التي سيتعين علينا تقديمها أقل، وفي حدها الأدنى، إن توفر المواطنون علي الوعي والانضباط اللازمين ...وسنخرج من هذه المواجهة بأقل قدر من الخسائر البشرية والمادية، إن تضافرت جهود الدولة بمؤسساتها المختلفة، مع الاستجابة الواعية للمواطنين على اختلاف مواقعهم وشرائحهم، فهل نفعل؟

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التوازن الدقيق للمعادلة الأصعب التوازن الدقيق للمعادلة الأصعب



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:25 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدّاً وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 13:01 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 06:15 2023 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم الثلاثاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023

GMT 22:22 2016 الأربعاء ,10 شباط / فبراير

عطر Bamboo من Gucci الرقّة والقوّة في مزيج واحد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon