عن الجماعة وداعش والجدل الوطني العام

عن "الجماعة" و"داعش" والجدل الوطني العام

عن "الجماعة" و"داعش" والجدل الوطني العام

 لبنان اليوم -

عن الجماعة وداعش والجدل الوطني العام

عريب الرنتاوي

لأول مرة، ينتقل الحوار مع جماعة الإخوان المسلمين من “النخبة” إلى “الشارع” ... الحوار مع الفئة الأولى، عادة ما ينحصر في الصالونات والغرف المغلقة والزوايا و”التكايا” المخصصة لكتاب الأعمدة، أو بعضهم على الأقل ... أما الحوار مع الفئة الثانية، ففضاؤه المناسبات الاجتماعية الأوسع وشبكات التواصل الاجتماعي ... مناسبة هذه “النقلة” أو سببها الرئيس، إقدام “داعش” على اقتراف جريمتها البشعة بحق الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبة، وموقف الجماعة وردة فعل حزبها السياسي من الأمرين معاً: الفعلة والفاعل.

“الجماعة” في مواجهة الرأي العام، هذا هو التلخيص غير المُخلّ للمشهد ... وإزاء سابقة من هذا النوع، لا بد أن تدرك قيادة الجماعة الحاجة الماسّة، لتفعيل إسهامها الاجتهادي، فكرياً وسياسياً لإجلاء الصورة وتظهير الموقف، حتى لا تندرج بدورها في قائمة “الخاسرين” بنتيجة المواجهة المحتدمة بين الدولة والمجتمع الأردنيين من جهة، و”داعش” بما يمثل ومن يمثل، من جهة ثانية.

بأعلى قدر من الموضوعية، يمكن القول: إن الجماعة “تجاوزت” نفسها وخطابها التقليدي في الأزمة الأخيرة، فما صدر عنها من مواقف وافعال مدينة ومستنكرة للفعلة النكراء، غير مسبوق في التعامل مع حوادث مماثلة، وجرائم أبشع قارفها التنظيم ومن هم على شاكلته وطرازاته من تنظيمات ومنظمات ... خرج ببيان مندد وتحدث قادتها للإعلام ... وسيّرت وفداً رفيعا لأداء واجب التعزية بالشهيد الطيّار ... وبدا لكثيرين من داخل الأردن وخارجه، أن الإخوان المسلمين، حزباً وجماعة، لم يخرجوا عن سرب الإجماع الأردني، وإن كانوا على تحفظهم حيال ما تنفذه “أسراب” سلاح الجو الملكي من ضربات لمواقع التنظيم في سوريا والعراق.
لكن التدقيق أكثر في مضامين البيانات والتصريحات والكلمات التي صدرت عن قادة الجماعة، دفع كثيرين من نشطاء المجتمع المدني وشبكات التواصل الاجتماعي إلى القول، إن “الصباح أدرك الجماعة قبل أن تنطق بالكلام المباح”، ووفقاً لهذه الآراء، فنحن ما زلنا لم نتعرّف بدقة موقفَ الجماعة من “داعش” وتصنيفها لها: هل هي منظمة إرهابية موصوفة، أو أنهم فتية أخذهم التطرف إلى حيث لا تريد لهم الجماعة ذلك، وربما إلى حيث هم أنفسهم لا يريدون ... هل الحرب على “داعش”، ضرورة لحفظ أمن البلاد والعباد، وماذا نسمي من يسقطون في هذه الحرب من جانبنا، هل هم “أحياء عند ربهم يرزقون” أو أنهم يحشرون في خانة أخرى، غير تلك المخصصة للنبيين والصدقين والشهداء.

تأسيساً على هذا الحوار المحتدم، تذهب الاقتراحات بشأن الجماعة وحزبها كل مذهب ... من قائل بضرورة وضعها و”داعش” في سلة واحدة، إلى مناد بتصنيفها جماعة إرهابية... إلى محذرٍ من دورها في نشر ثقافة التطرف والتخلف ... إلى غير ما هنالك من آراء وتصورات، لم يخل كثير منها كذلك من دعوات للتمييز بين الجماعية والمنظمات الإرهابية، وإلى توخي الحذر من الانزلاق إلى مواقف وإجراءات من شأنها أن تزيد طين التطرف والإرهاب بلة، بدل أن تعمل على تجفيفه وإطفاء بؤره ومصادره.

بعض هذا الجدل جديد، أملته اللحظة السياسية الأردنية المشحونة بالغضب والألم والرغبة في الثأر والانتقام، وهي مشاعر نبيلة، وتندرج في سياق رد الفعل الطبيعي على جريمة بمستوى إحراق الطيّار حيّا أمام عدسات الكاميرات ... بيد أن بعضه الآخر، قديم نسبياً، ويعود إلى سنوات خلت، ليبلغ ذروته بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر على وجه الخصوص ... وما يهمنا في هذا الشأن، ألا ننقاد أو ينقاد بعضنا إلى نتائج وخلاصات متسرعة، تمليها اللحظة العاطفية الفوّارة ... كما يهمنا في هذا المقام، أن نميّز بدقة، بين مواقف تصدر في سياق التفاعل مع جريمة اغتيال الكساسبة حرقاً، وأخرى تسعى في “انتهاز” اللحظة السياسية لتصفية حسابات قديمة أو متجددة مع الجماعة وحزبها ... كلا الأمرين لا يفضيان إلى اشتقاق سياسات ومواقف تنفع الناس وتبقى في الأرض.

نقول ذلك ونحن لا نريد ان نعفي الجماعة من مسؤوليتها في تطوير خطابها السياسي والفكري، فلطالما قلنا ذلك ودعونا إليه وسعينا في سبيله ... والتطوير الذي ننشده لا يخدم مصلحة الأردن والأردنيين عموماً فحسب، بل ويخدم مصلحة الجماعة كذلك ... فالأحزاب الإسلامية التي نجحت في اجتياز “اختبار الربيع العربي”، هي تلك التي سبقت الحركة الإسلامية في الأردن ومصر والمشرق، إلى تبني خطاب مدني – ديمقراطي، يفصل بين الدعوي والسياسي، ويرسم حدوداً بين فضائي السياسة والدين، ويظّهر موقفاً واضحاً من قضايا الحكم والانتقال والمشاركة والمرأة والأقليات ومنظومة الحقوق والواجبات والمواطنة المتساوية، والأهم، أنه غادر منذ زمن “المساحة الرمادية/ التبريرية” التي يراوح فيها الإسلام السياسي المشرقي حين يتصل الأمر بالعنف والإرهاب والتطرف والغلو.

أحسب أن قيام الجماعة بمراجعة وتحديث خطابها السياسي والفكري، سوف يساعدها في بناء مروحة واسعة وعريضة من التحالفات مع بقية أطياف المجتمع الأردني، وستكون مثل هذه المراجعة، بمثابة إسهام مُقدر من الجماعة في تعبيد الطريق أمام مشروع الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي في الأردن، وبما يقطع الطريق أمام قوى تستهدف الإخوان وتسعى في “شيطنتهم” لا كرهاً بهم فحسب، بل لأنها -أساساً- تكره التغيير والإصلاح.

ولا أظن ان عقل الدولة الأردنية ومراكز صنع القرار فيها، ستنساق وراء حملات التجييش والتحريض التي تطفح بها صحف وزوايا ومواقع وشبكات، فهي وإن كانت “مرتاحة” نسبياً لحالة الانحسار التي تعيشها الجماعة وتنامي دوائر خصومها ومجادليها، إلا أنها أظهرت في مرات عديدة سابقة، وستظهر هذه المرة أيضاً، أنها أكثر حكمة وتعقلاً من أن تنساق إلى ما لا تحمد عقباه من بدائل وسيناريوهات.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الجماعة وداعش والجدل الوطني العام عن الجماعة وداعش والجدل الوطني العام



GMT 19:59 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 19:58 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 19:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 19:56 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 19:55 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجيير الهزيمة

GMT 19:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية

GMT 19:52 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا... «أطلس» يُحجّم ومونرو يُقدّم

GMT 19:51 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

الهجرة إلى التاريخ في زمن الهزائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 16:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لتناول غذاء صحي ومتوازن في أماكن العمل

GMT 03:47 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل الاتفاق على الرقابة المصرفية لمنطقة اليورو

GMT 05:56 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية الأردني: سنعالج ملف العمالة الوافدة كلها
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon