ثورة دينية

ثورة دينية

ثورة دينية

 لبنان اليوم -

ثورة دينية

عريب الرنتاوي

بصرف النظر عن الدوافع التي حدت لإطلاق نداء عاجل لـ “ثورة دينية”، إلا انها جاءت في توقيتها، حتى لا نقول جاءت متأخرة، ويتعين على الجهات المُخَاطَبَةِ بها: الأزهر ودار الإفتاء وعلماء الدين ورجالاته، أن يشرعوا من دون إبطاء في إطلاق ورشة “الإصلاح الديني” مستفيدين من المظلة التي يوفرها المستوى السياسي، لمقاومة مظاهر الابتزاز والتخويف والإرهاب.

وفي ظني أنه يتعين على بقية القادة العرب، أن يتخلوا عن منطق “مراعاة” أصحاب الأصوات العالية والمتشددة والخضوع لابتزازهم، بل ومزاحمتهم على ما يعتقدونه “شرعية دينية”، وأن يذهبوا مذهب السيسي، فالحال لم تعد يحتمل مزيداً من فوضى الإفتاء وفلتان الاجتهاد وسيادة أكثر القراءات تطرفاً وتخلفاً للإسلام وتعالميه ... وهي قراءات باتت سائدة في معظم أرجاء العالم العربي للأسف، وتشكل حاضنة للتكفير والتطرف والإرهاب.

لكن نداء السيسي يصطدم بحقيقة أن كثيرا من مؤسسات “الإسلام الرسمي” قد فقدت قدرتها على التأثير، بسبب التصاقها بالحكام وحرصها على “تكييف” الإفتاء وفقاً لمقتضيات السلطة وحاجاتها واولوياتها؛ ما خلق فراغاً مخيفاً، نجح “فقهاء الظلام” في ملء مساحات واسعة منه، وبات تأثيرهم على الأجيال الصاعدة، أعلى بكثير من تأثير المؤسسة الدينية الرسمية.

وينطبق ذلك على مؤسسة الأزهر، جامعة ومشيخة، فتقلب مواقف هذه الصرح العلمي بتقلب العهود التي تعاقبت على حكم مصر، أضعف كثيراً من تأثيرها ونفوذها ... واليوم، تشتد الحاجة لاستعادة هذه المؤسسة لصدقيتها واستقلاليتها التامة، حتى يتاح لها استعادة دورها وتأثيرها.

وعلى السيسي وغيره من الحكام العرب، أن يدركوا تمام الإدراك، أن الكلف المترتبة على إضعاف استقلالية هذه المؤسسات، أعلى بكثير من الكلف المتأتية على أية مواقف انتقادية قد تصدر عنها بحقهم، فمهما بلغ وقع “سلاح النقد” الذي قد يلجأ الأزهر إليه، سيظل أقل خطر من “النقد بالسلاح” الذي تمارسه تيارات الغلو وشيوخ التطرف.

وها نحن وصلنا في هذه المنطقة، إلى وضعية تشتد فيها الحاجة لإطلاق “ثورة إصلاح ديني”، من دون أن تكون لدينا الأدوات الفاعلة والمستقلة والمؤثرة في الرأي العام... ها نحن نذهب إلى حرب فكرية – ثقافية مع تيار الغلو والتطرف، من دون أن تكون لدينا الأسلحة والأدوات الكفيلة بالانتصار في هذه المعركة ... وما ينطبق على مصر، ينطبق على العديد من الدول والمجتمعات العربية، وفي ظني أن هذا هو ما يفسر (إلى جانب عوامل أخرى) عدم نجاحنا بعد، في كسب معركة القلوب والعقول، واستمرار قدرة الظلاميين والتكفيريين على التجنيد والتحشيد وكسب المؤيدين.

لا حدود للمجالات والميادين التي تبدو بأشد الحاجة للمراجعة والتصويب، بعد أن أغلق باب الاجتهاد لعقود وقرون طويلة، من الأحوال الشخصية إلى منظومة الحقوق والواجبات والحريات، إلى نظرية الحكم والدولة، فضلاً عن قضايا الحرب والسلام ونظرية الجهاد والعلاقة مع الاخر وفكرة العيش والتسامح وثقافة الحوار ومبادئ حقوق الانسان على اتساعها

إن واحدة من أسباب إخفاق تجارب حكم الإسلاميين في عدد من الدول والمجتمعات العربية، إنما يعود (من بين عوامل أخرى عديدة) إلى فشل الحركات الإسلامية في هذه الدول، في “عصرنة” و”تحديث” قراءتها للفكر الإسلامي، اما الدول التي ما زال الإسلاميون فيها قادرين على المشاركة في السلطة والتناوب عليها، فقد تميزت بوجود حركات، قطعت اشواطاً كبيرة على طريق المراجعة والتصويب وممارسة النقد والنقد الذاتي، وتقديم الحداثة على الأصالة، والمعاصرة على السلفية المعلبة، واعتمدت مرجعيات أخرى حداثية، إلى جانب مرجعيتها الإسلامية.

وأحسب أنه يتعين على هذه الحركات ومفكريها بخاصة، ألا يتوقفوا بمراجعاتهم عند “الشق السياسي” من عملهم وخطابهم، بل ان يذهبوا أبعد من خطاب “الإصلاح السياسي” للغوص عميقاً في مضامين “الإصلاح الديني”، وإيلاء جهد أكبر “للتنظير” لهذه التحولات، وإنتاج فقه إسلامي حديث وعصري.

الأمم التي تقدمت مرت بمخاض مرير ومديد من المراجعات والإصلاحات، بما فيها “ثورات الإصلاح الديني والكنسي”، ومن دون ان يضطلع بعضنا بهذه المسؤولية، سنظل نراوح في مكاننا، بين مد وجزر، خطوة للأمام وخطوتان إلى الوراء.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثورة دينية ثورة دينية



GMT 19:59 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 19:58 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 19:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 19:56 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 19:55 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجيير الهزيمة

GMT 19:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية

GMT 19:52 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا... «أطلس» يُحجّم ومونرو يُقدّم

GMT 19:51 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

الهجرة إلى التاريخ في زمن الهزائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 16:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لتناول غذاء صحي ومتوازن في أماكن العمل

GMT 03:47 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل الاتفاق على الرقابة المصرفية لمنطقة اليورو

GMT 05:56 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية الأردني: سنعالج ملف العمالة الوافدة كلها
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon