«باقية وتتمدد»

«باقية وتتمدد»

«باقية وتتمدد»

 لبنان اليوم -

«باقية وتتمدد»

عريب الرنتاوي

تعيّن علي، أن أتصفح مواقع “داعش” للاستماع للتسجيل الصوتي الكامل لأبي بكر البغدادي، فالنصوص المكتوبة،والمجتزأة على مقاس كل صحيفة أو موقع الكتروني، لا تكفي للتعرف إلى ما يجول في عقل الرجل الذي نجح في أن يعطي الشرق الأوسط برمته شكله الجديد، وبات موضوعاً أول أو بنداً وحيداً، على جدول أعمال كل اجتماع إقليمي أو دولي، وعلى مختلف المستويات.

حديثه هذه المرة يكتسب أهمية مضاعفة، فهو يأتي بعد انقطاع دام لستة أشهر، وفي ظل أنباء متضاربة عن حجم الإصابة التي تعرض لها من قبل طيران التحالف الدولي، كما أنه يأتي في ظل تراجع التقديرات والرهانات على إمكانية “سحق” التنظيم في المدى المنظور، سواء في العراق أو سوريا، فضلاً عن التطور الأهم الذي صاحب وأعقب “عاصفة الحزم” السعودية على اليمن.

والحقيقة أن الرجل بدا شديد التماسك والثقة، فبعد عام من اجتياح الموصول، وأكثر من ثمانية أشهر على بدء الضربات الجوية الأمريكية – الأممية المكثفة لقواته في العراق، ما زال يقف على رأس تنظيم “باق ويتمدد” ... قواته تتوسع في الأنبار وسط أنباء عراقية شبه رسمية، عن احتمال سقوط كبرى المحافظات العراقية بقضها وقضيضها في قبضة “الدولة” ... والبنتاغون “يروّج” منذ أسبوع لتقديرات عن قرب سيطرة داعش على “بيجي” بالكامل، التي توفر للعراق بأكمله، ثلث احتياجاته من المشتقات النفطية ... وفي سوريا، يقف التنظيم على مبعدة كيلومترين من مدينة تدمر التاريخية، وهو ما توقف عن مد جسوره وتعزيز مواطئ أقدامه في مناطق جديدة، من القلمون غرباً إلى ريف السويداء جنوباً.

خصص البغدادي قسماً رئيساً من كلمته المسجلة للدفاع عن “قراءته” الخاص بالإسلام، فهو دين قتال لا دين سلام، دين حرب وجهاد حتى يرث الله الأرض ومن عليها ... أعاد أطروحاته القديمة – الجديدة حول وجوب النفير والهجرة إلى الدولة الإسلامية، أو امتشاق السلاح حيثما أمكن للمسلمين ذلك في ديارهم أو “ديار الكفر” التي يقيمون فيها ... مشدداً على أن دعوته للهجرة لا تنبع عن ضعف أو وهن أو حاجة، وإنما تندرج في سياق “المناصحة” و”الإشفاق على المسلمين” والبر بهم.

عراقياً، لم يخف البغدادي أن هدف دولته الإسلامية لن يقف عند حدود الأقاليم السنية (الغربية) التي تحظى فيها بنفوذ واسع، تحدث عن بغداد وكربلاء كهدف تالٍ لـ “أسود الدولة” لتطهيرها من رجس “الروافض”، ولم ينس ذكر كركوك التي يتعين تحريرها من “ملاحدة الأكراد”، متوعداً المرتدين من أهل السنة بسيوف المجاهدين القريبة من أعناقهم، داعياً العوام منهم للعودة إلى مدنهم وقراهم، إلى “حضن الدولة الدافئ” بديلاً عن “ذل اللجوء” إلى مناطق الكفرة في بغداد أو أربيل.

إقليمياً، استحوذت العائلة السعودية الحاكمة على جل اهتمام البغدادي في كلمته التي امتدت لخمسة وثلاثين دقيقة ... سخر من “عاصفة الوهم”، ورأى أنها فشلت في رد كيد “الروافض” الحوثيين.

اللافت في كلمة البغدادي، أنه قرأ “الصحوة” السعودية في اليمن، والحراك السعودي العسكري والسياسي غير المألوف وغير المسبوق، على أنه دليل على ما سمّاه الخشية السعودية من تنامي دور “الخلافة” بأقدامها “الثقيلة” وصوتها “المسموع” ... وهو يضع نفسه و”دولته” في صراع وتزاحم مع السعودية على الشرعية والقيادة والريادة في عالم المسلمين من أهل السنة ... وهو يقاتل في الرمادي وبيجي لكنّ عينيه شاخصتان صوب مكة والمدينة .

الخلاصة أننا في كل مرة نعاود فيها تقدير الموقف من “داعش” بعد أن نُصدم بأننا أسأنا التقدير وقللنا من شأن هذا التنظيم، نكتشف أننا مخطئون أيضاً، وأن جميع التقديرات المتفائلة بقرب “تحطيمه” و”سحقه” وفقاً للتعابير المستخدمة في واشنطن، تذهب هباءً عند أول منعطف من منعطفات “الكر والفر” في المعارك المتنقلة بين التنظيم وخصومه الكثر ... فبعد أن كان العالم على موعد مع معركة “تحرير الموصول” في ربيع هذه السنة، بتنا نتحسب لسقوط الأنبار، وليس مستبعداً أن نستيقظ غداً أو بعد غدٍ على مفاجآت من العيار الثقيل من النوع الذي أمطرتنا به داعش في خلال العام الفائت.

داعش “باقية وتتمدد”، يعينها على ذلك: (1) انقسام دول الإقليم واحترابها وما توفره هذه الحال من مساحات لحرية الحركة بل وأشكال مختلفة من الدعم والتأييد لجماعات من هذا النوع...(2) ارتداء مختلف صراعات هذه المنطقة عباءة مذهبية كريهة.... (3) تفكك الدولة الوطنية وتحوّل جيوشها إلى ميليشيات وتعاظم أدوار اللاعبين “اللادولاتيين” على مسرح الإقليم، مع تآكل الهويات الوطنية الجمعية وبروز الهويات الفرعية ... (4) تآكل دور التيارات السياسية والفكرية الحديثة من قومية ويسارية وليبرالية علمانية.

المعركة مع “دولة الخلافة” مديدة ومريرة، ليس بالمعنى الإيديولوجي فحسب، بل وبالمعنى الأمني والعسكري كذلك ... ولعل هذا هو أبرز دروس وخلاصات “سنة أولى” من القتال ضد التنظيم الأكثر تشدداً في العصر الحديث.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«باقية وتتمدد» «باقية وتتمدد»



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 10:12 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 00:18 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 24 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 18:00 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 03:08 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انخفاض قياسي في عدد الوافدين الأجانب إلى تركيا

GMT 18:58 2022 السبت ,12 شباط / فبراير

طُرق استغلال المساحة في الحمام الصغير

GMT 11:57 2013 الأحد ,27 كانون الثاني / يناير

أمسية للشاعر أحمد الصويري في اتّحاد كتّاب الشارقة

GMT 13:59 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العقرب الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:04 2023 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان سامو زين يعود للسينما بعد غياب 17 عاماً

GMT 10:33 2013 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيراري" تعلن عن المحركات القادمة للسيارات الفائقة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon