حلم رجل واحد

حلم رجل واحد

حلم رجل واحد

 لبنان اليوم -

حلم رجل واحد

بقلم:أسامة غريب

لم يكن بول بوت يتصور أن التاريخ سيذكره بحسبانه السفاح قاطف الرؤوس، بل كان يظن نفسه مصلحًا اجتماعيًا يختلف عن غيره من المصلحين بأنه نجح فى حيازة السلاح وتجنيد الأنصار فى بلده كمبوديا بعد أن حشا رؤوسهم بأفكار نبيلة عن العدل الاجتماعى وعن ظلم الطبقة الحاكمة وفساد النخبة الثقافية. قام الرجل بتأسيس منظمة الخمير الحمر، وكلمة خمير تعنى فلاحًا باللغة الكمبودية، وللفلاحة مدلول إيجابى فى الثقافة الشعبية هناك، حيث إن الفلاح هو الذى يطعم الناس. إذن يتوجب طبقًا لفيلسوف الخمير الحمر على جميع الناس أن يعملوا بالفلاحة حتى يحظوا جميعًا بشرف الاشتغال بالمهنة النبيلة التى إليها يعود الفضل فى إعمار الأرض واستمرار البشرية.

رأى بول بوت أن المثقفين يشكلون جماعة فاسدة تؤثر فى الناس الطيبين وتخرب عقولهم لصالح أفكار تقبل الظلم الاجتماعى وتراه قدرًا لا فكاك منه، فكان أن حملهم قسرًا إلى المزارع الجماعية، وأوكل إليهم القيام بأعمال الفلاحة الشاقة، ثم قام بتفريغ المدن من السكان، حيث رأى أن نشاط المدن غير ذى جدوى ولا يستفيد منه سوى اللصوص والمنحرفين. باختصار قام الرجل بعملية هندسة اجتماعية أراد منها أن يحشد كل الطاقات لصالح العمل الوحيد المحترم الجدير بالإنسان وهو زراعة الأرض، ولأجل أن يحقق العدل فإنه ألغى الملكية الخاصة وجعل الأرض مملوكة للجميع. من الطبيعى أن إجراء كهذا لن يمر بسهولة، خاصة أنه يعبر عن فكر رجل واحد أو مجموعة أصدقاء تشبعوا بالأفكار الشيوعية وأرادوا أن يطبقوا منها نموذجًا ابتدعوه وتأثروا فيه بتجارب آسيوية محيطة فى الصين وفيتنام وكوريا الشمالية.

ومن الطبيعى أن رجلًا كهذا عندما يقاوم الناس أفكاره التى يريد فيها الخير للجميع فإنه لن يتسامح مع رغبتهم فى تقويض حلمه، ومن هنا كانت المذابح الجماعية وحقول القتل التى ملأتها الجماجم، والتى عبرت عنها أفلام سينمائية عديدة، كما خلدتها متاحف قائمة اليوم تحكى عن حلم رجل واحد دفع حوالى مليونين من البشر ثمنًا لمحاولة تحقيقه. والعجيب فى بول بوت ورفاقه أنهم نظروا للمثقفين نظرة ازدراء واعتبروا ما يقومون به نوعًا من النصب وأكل العيش بطرق غير مشروعة!.

كذلك لم يفهم زعيم الخمير الحُمر معنى تقديم برامج فى التليفزيون تقوم على نشر الأكاذيب التى يريدها الحاكم، ولا معنى الكتابة فى الصحف من أجل تمجيد الظلم وتغليفه بأغلفة وطنية زائفة، لهذا فإن الإعلاميين والكتّاب وكل من له صلة بصناعة النشر قد حملتهم سيارات كبيرة مخصصة للمواشى وألقت بهم فى المزارع ومعهم الفؤوس والمعاول، ومَن تكاسل منهم كان جزاؤه القتل الفورى. ويُحكى أيضًا أن الكثيرين فى المدن لقوا حتفهم لمجرد ارتدائهم نظارة أوحت بأنهم قد يكونوا مثقفين!.

ورغم إجرام بول بوت ووحشيته، فإننى كلما شاهدت برنامجًا من برامج المصاطب المسائية تذكرته وطاف بخيالى صورة سيارات النقل التى حملت الإعلاميين بعيدًا عن الشاشات والصحف وألقت بهم فى الحقول ليقوموا بعمل مفيد!.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حلم رجل واحد حلم رجل واحد



GMT 14:55 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدعة النزاهة

GMT 12:21 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

نريد نتائج لا تنظيرًا

GMT 12:20 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مرشحو الرحيل

GMT 12:19 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مادورو على توقيت ترمب

GMT 12:18 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

القزويني والمياه الرقمية المُلوّثة

GMT 12:17 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الفاشر وتغيّر قلوب الرجال

GMT 12:15 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

النشاز الإسرائيلي في الدبلوماسية الأميركية

GMT 12:14 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

الإلغاء لا يحل مشكلة القوائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:24 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تتمتع بالنشاط والثقة الكافيين لإكمال مهامك بامتياز

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 20:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 08:41 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أحمد في ورطة؟

GMT 18:57 2025 الأحد ,05 تشرين الأول / أكتوبر

موديلات عبايات لصيف 2025 ستجعلك تبدين أصغر سناً

GMT 13:03 2020 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

زاهى حواس يكشف طلب الرئيس السادات عندما زار المتحف المصرى

GMT 14:57 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حريق داخل بسطة خضار بداخلها غالونات بنزين ومازوت في بعبدا

GMT 23:57 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

5 نصائح تمكنك من الانسجام والتفاهم مع شريك حياتك

GMT 22:53 2021 الإثنين ,08 آذار/ مارس

انا والكورونا و المرأة في يومها العالمي

GMT 16:11 2022 الجمعة ,20 أيار / مايو

لبنان يوجه ضربة مزدوجة لطهران
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon